الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد

اشارة

نام كتاب: الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي- الاجتهاد و التقليد

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: قمّي، سيد تقي طباطبايي

سرشناسه : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - ق 1337

عنوان قراردادی : [العروه الوثقی]

عنوان و نام پديدآور : الغایه القصوی فی التعلیق علی العروه الوثقی: کتاب الخمس/ تالیف تقی الطباطبائی القمی

مشخصات نشر : قم: محلاتی، 1419ق. = 1378.

مشخصات ظاهری : ص 259

شابک : 11000ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

عنوان دیگر : العروه الوثقی.حاشیه

موضوع : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337ق. العروه الوثقی -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : طباطبائی قمی، تقی، 1301 - ، محشی

شناسه افزوده : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337ق. العروه الوثقی. حاشیه

رده بندی کنگره : BP183/5/ی 4ع 40355 1378

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 78-8565

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

نوبت چاپ: اول

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ و الصلاة و السلام علي سيّدنا محمّد و آله الطاهرين و اللّعن الدائم علي أعدائهم من الآن الي يوم الدّين؛ و بعد فهذا شرح استدلالي علي مسائل الاجتهاد و التقليد من كتاب العروة الوثقي كتبته قبل سنين و رأيت أن طبعه و نشره مفيد لروّاد العلم و الفضل فقمت بهذه المهمّة راجيا من المولي أن يكون مقبولا لديه و يكون وسيلة لنجاتي يَوْمَ لٰا يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَي اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ و اهدي هذه البضاعة المزجاة الي السبط الأكبر أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

الأحقر تقي الطباطبائي القمي

يوم الأحد السادس و العشرين من شهر محرم الحرام

من سنة 1424 بعد الهجرة علي مهاجرها و آله آلاف التحية و السلام

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص:

7

[يجب علي كلّ مكلّف أن يكون مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا]

قوله قدّس سرّه (مسألة 1): يجب علي كلّ مكلّف (1)

______________________________

(1) وقع الكلام بين الأعلام في أنّ هذا الوجوب عقليّ أو فطريّ أو شرعي أفاد السيد الحكيم قدّس سرّه في مستمسكه بانّ هذا الوجوب فطريّ بمناط دفع الضرر المحتمل و عقليّ بمناط وجوب شكر المنعم؛ و الذي يختلج بالبال انّ ما أفاده قدّس سرّه من وجوب الشكر لا يرجع الي محصّل إذ لو سلّم وجوب الشّكر فنسأل انّه هل يدرك العقل استحقاق العقاب علي ترك الشكر أو يدرك عدم الاستحقاق أو لا يدرك؛ امّا علي الثاني فيأمن المكلّف من العقاب غاية الأمر العقل يدرك حسن الشّكر أو يدرك قبح ترك الشكر فلا يلزم المكلّف بشي ء و امّا علي الأوّل و الثالث فيحتمل العقاب فيكون لزوم الشكر بمناط دفع الضرر المحتمل فيدخل في التقريب الاوّل.

فالحقّ انّ هذا الوجوب فطري اذ المناط موجود في غير ذوي العقول من الحيوانات فانّ كلّ حيوان عاقلا كان أو غير عاقل بمقتضي فطرته الاوّلية و جبلّته يحذر عن الضرر المحتمل؛ و حيث انّ في ترك المحتملات احتمالا للضرر فيجب دفعه.

و لا يخفي انّ هذا المعني لا يتحقّق الّا مع العلم الإجمالي بوجود التكليف المنجّز أو احتمال وجود تكليف الزامي من قبل المولي فيما لا يكون مؤمن من قبله؛ و ليعلم انّ العقل في مفروض الكلام يدرك استحقاق العبد للعقاب غاية الأمر يحتمل العفو.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 8

______________________________

و بعبارة اخري: الاستحقاق محقق في مثل الفرض اذ الاستحقاق علي التجري و ترك الأمور المذكورة تجر علي المولي فلو فرض انّ ترك الأمور المذكورة في الموردين المذكورين لم يؤد الي ترك واجب أو فعل حرام يكون الاستحقاق

متحقّقا إذ قد فرض تحقّق التجري الذي يوجب استحقاق العبد للعقاب.

ثمّ انّ حصول المؤمن باحد من الأمور الثلاثة يظهر بأدني تأمّل إذ القطعيّات و الضروريّات قليلة في الدّين فالمكلّف امّا يعمل بمقتضي ما قطع بكونه حجّة بحسب الادلّة فهو اجتهاد و امّا يقلّد غيره و يجعله مؤمّنا لنفسه فهو تقليد و امّا يحتاط فالأمن يحصل باحد هذه الأمور؛ و في المقام اشكال بالنّسبة الي التقليد فانّه لا يمكن أن يكون بالتقليد و الّا يلزم التسلسل فكيف يقلّد الجاهل غيره فانّه إن كان بالتقليد يلزم المحذور المذكور و إن كان بالاجتهاد فالمفروض انّه جاهل؛ و الجواب عن هذه الشبهة انّ الجاهل بارتكازه و فطرته الاوّلية يرجع الي العالم و يسئل عن وظيفته و بعد الرّجوع يعلم انّ التقليد امر جائز و هذا ليس تقليدا بل علم بالوظيفة؛ لكن لا يخفي انّ الجاهل لا يشخص بارتكازه جواز التقليد كما في كلام الاستاذ إذ المكلّف لا يدري انّ الوظيفة ما هي؛ نعم حيث يعلم بانّ العالم يشخص الوظيفة يرجع اليه و لذا يسئل بانّ وظيفتي ما هي؟ ففرق بين ان يشخص جواز التقليد و يرجع الي الغير و بين أن يرجع ليعلم بالعلم الوجداني ما يكون مقررا في الشّرع الأقدس فلا تغفل.

ثمّ انّ التخيير بين الأمور المذكورة عقليّ لا شرعيّ و لتوضيح الحال نتعرّض للتفصيل فنقول: انّ هذا الوجوب ليس غيريّا فانّ المقدّمة ليست واجبة بالوجوب الشرعي كما حقّق في بحث مقدّمة الواجب و علي فرض كونها واجبة بالوجوب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 9

______________________________

الشّرعي فالاحتياط ليس مقدّمة للواجب.

و بعبارة واضحة: الاحتياط لا يكون مقدّمة وجوديّة للواجب بل الاحتياط عبارة عن الاتيان بنفس

الواجب كما هو ظاهر كما انّ الاجتهاد و التقليد ليسا مقدّمتين له؛ امّا في صورة المخالفة مع الواقع فظاهر و امّا في صورة الموافقة فمن الظاهر انّ العلم بالحكم ليس مقدّمة لوجود الموضوع؛ نعم ربّما يتّفق انّ الإتيان بالواجب يتوقّف علي العلم بالحكم و بالخصوصيّات الدخيلة و هذا كثير في المركّبات الشرعيّة في الأمور العباديّة كالحجّ و نحوه.

و امّا عدم كون وجوبها طريقيّا فلأنّ المراد بالوجوب الطريقيّ ما يكون موجبا لتنجّز الواقع أو التعذير عنه و ليس الاحتياط منجزا للواقع بل المنجز له العلم الإجمالي بالحكم الشرعي أو الشبهة قبل الفحص أو وجود الامارات علي الأحكام الواقعية في مظانها فإنّ الأحكام منجزة قبل وجوب الاحتياط فلا معني للوجوب الطريقي للاحتياط لحصول التنجّز كما لا معني له بمعني العذر ليتحقّق الواقع بالاحتياط كما هو ظاهر هذا بالنسبة الي الاحتياط و امّا بالنسبة الي الاجتهاد و التقليد فأيضا لا مجال للوجوب الطريقي اذ لا معني للتنجّز في الأمر بهما لأنّ الحكم الشرعي يتنجّز بالعلم الإجمالي أو الشبهة قبل الفحص أو بالامارات الموجودة في مظانّها فلا معني لكون الأمر بالاجتهاد طريقيّا بلحاظ التنجيز كما انّ الأمر كذلك بالنسبة الي التقليد امّا في صورة العلم الإجمالي فواضح و امّا في غيره فايضا الواقع منجّز بفتوي من يجب تقليده فالواقع منجّز مع قطع النظر عن الامر بالاجتهاد و التقليد.

نعم الامر بالاجتهاد و التقليد يمكن أن يكون معذرا فانّ عمل المجتهد علي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 10

______________________________

طبق اجتهاده معذّر له لو كان اجتهاده مخالفا للواقع كما انّه معذّر لمقلّده فانقدح انّ الأمر الطريقي بالاجتهاد و عدليه للتنجيز لا معني له.

و أورد الاستاد دام ظلّه علي

هذا البيان بانّ ما افيد تامّ بالنسبة الي موارد العلم الإجمالي و امّا بالنسبة الي الشبهة البدويّة من الابتداء أو بعد الظفر بالمقدار المعلوم فلا مانع من الالزام بالواجب الطريقي إذ لا مانع من شمول ادلّة البراءة للشبهة غير المقرونة بالعلم الإجمالي فالأمر بالاحتياط يتنجّز الواقع كما انّ الامر بتحصيل الحجّة بالاجتهاد أو التقليد أيضا ينجز الواقع؛ و يرد عليه انّ مجرّد الاحتمال يوجب التنجيز ثمّ انّه ظهر ممّا ذكرنا انّ مجرّد الحجّة الواقعيّة لا توجب التنجّز لو لا لزوم الاحتياط أو تحصيل الحجّة باحد النحوين.

ثمّ انّه افاد الاستاد بانّ كون التقليد واجبا طريقيا يبتني علي ان يكون عبارة عن التعلّم و امّا بناء علي الحقّ من انّ التقليد عبارة عن العمل استنادا الي فتوي المجتهد فالتقليد نفس العمل فلا معني لكونه منجزا للواقع فالمنجّز هو الامر بالتعليم أمّا بالتقليد أو بالاجتهاد.

و يرد عليه انّ الاحتياط عبارة عن نفس العمل و مع ذلك سلم الاستاد بانّ امره طريقي فانّ الامر الطريقي معناه انّه ينجز الواقع و يمتثل بالاحتياط أو باتيان العمل عن اجتهاد أو عن تقليد.

و امّا عدم كون الوجوب نفسيا فلعدم الدليل عليه؛ نعم ربّما يتوهّم انّ ادلّة وجوب تعلّم الاحكام يقتضي ذلك فانّ جملة من الآيات و الروايات تدلّ علي وجوب التعلّم و المفروض انّ الاجتهاد و التقليد نحو من التعلّم.

و فيه انّ وجوب التعلّم ليس وجوبا نفسيا بل وجوبا طريقيّا مضافا الي انّه

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 11

في عباداته و معاملاته (1) أن يكون مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا (2).

______________________________

لا مجال لهذا التقريب في الاحتياط بل لا يجري في التقليد علي مسلكنا لأنّ التقليد عبارة عن

العمل مستندا الي الغير فليس التقليد تعلّما كما هو ظاهر.

إن قلت: انّه يمكن الوجوب النفسي الناشي عن الملاك الواقعي.

قلت: أصل الوجوب محلّ الاشكال فانّه لم يتحقّق الوجوب كي يعلّل.

(1) بل في كلّ فعل يصدر منه لوحدة الملاك و الظاهر انّه يتعرّض له.

(2) لأنّه امّا يكون للمكلّف علم اجمالي او لا؛ امّا علي الأوّل فتنجّز الحكم الواقعي عليه ظاهر و لا بدّ من تحصيل مؤمّن و امّا لو لم يكن له علم اجمالي فمجرّد الاحتمال يوجب احتمال الضرر و بحكم العقل يجب دفعه حتّي لو قلنا بجريان البراءة في الشبهة البدويّة إذ المفروض انّ المقلّد جاهل و ليس له علم بانّ البراءة مجعولة بل لو فرض بانّه يعلم بعدم الدليل في مظانّه لا يمكن الأخذ بالبراءة فانّ البراءة بعد الفحص جريانها يحتاج الي اعمال النّظر و ليس امرا واضحا ضروريّا.

مضافا الي انّ المستفاد من الادلّة عدم جريان البراءة قبل الفحص و عدم جريان الاستصحاب؛ و ملخّص الكلام انّ الجاهل امّا يحتاط بان يقطع بخروجه عن العهدة؛ نعم ربما يشكل الامر في الاحتياط امّا لعدم الامكان أو لاحتمال عدم المشروعيّة فيحتاج الي الاجتهاد أو التقليد و لذا قيل بانّه في طول الامرين الآخرين و إن كان بحسب العمل في عروضهما و امّا يستند الي الحجّة المعلومة عنده بالعلم الوجداني أو التعبّدي فهو الاجتهاد و امّا يستند الي قول الغير فهو التقليد و لا اشكال في انّه لا يمكن ان يكون التقليد تقليديّا للزوم الدّور أو التسلسل؛ بل لا بدّ من أن تكون بالاجتهاد إذ رجوع الجاهل الي العالم امرا ارتكازي طبيعي لا يشك فيه أحد؛ و للمناقشة في هذا الأمر مجال إذ مع احتمال انّ الشارع لا

يرضي بهذا لأمر كيف يمكنه

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 12

______________________________

الجزم بجواز التقليد؛ نعم رجوع الجاهل الي العالم لا شبهة فيه لكن ليس هذا تقليدا بل هذا طريق لحصول العلم بالمطلوب في كثير من الموارد كما لو سئل الجاهل عن الطريق الفلاني أو عن دار زيد الي غير ذلك فهل يجوز أن يقال انّ السائل في مثل

هذه الموارد قلّد المسئول كلّا ثمّ كلّا فعليه ليس التقليد في طول الاجتهاد كما في كلام الاستاذ بل في عرضه.

ثمّ انّ الاستاد ارسل عنان الكلام في تعريف الاجتهاد؛ فقال: الاجتهاد في اللّغة من الجهد بالضمّ أو الفتح فانّه علي الاوّل بمعني الطاقة و علي الثاني بمعني المشقّة و يأتي بمعني الطاقة أيضا فعليه يكون الاجتهاد لغة بمعني بذل الطاقة و في الاصطلاح عرّف باستفراغ الوسع لتحصيل الظنّ بالحكم الشرعي و الاصل في هذا التعريف من العامّة و هذا التعريف فاسد فانّ الاجتهاد لا يستلزم الظنّ بالحكم اوّلا و الظنّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً* ثانيا.

و لذا عرّفه الآخرون بانّه ملكة يقتدر بها علي استنباط الأحكام الشرعيّة؛ و افاد الاستاد في المقام بانّ هذا التعريف و إن كان سالما عن ذكر الاشكال لكن يتوجّه اليه اشكال آخر و هو انّ الاجتهاد بهذا المعني ليس واجبا تخييريا و ليس عدلا للآخرين و ذلك لأنّ مجرّد حصول الملكة لا أثر له بل المحتاج اليه العلم بالحكم و من الظاهر انّه يمكن أن يكون شخص مجتهدا و مع ذلك يكون جاهلا بالحكم الشرعي إذ ملكة الاجتهاد ليست كبقيّة الملكات التي تحصل بالعمل كالسخاوة و ما أفاده غير تام إذ الواجب التخييري بين الثلاثة الذي يوجب الأمن من العقاب

عبارة عن العمل الخارجي و لو لا العمل لا اثر للاجتهاد كما هو ظاهر.

و بعبارة اخري: لا بدّ من العمل خارجا امّا بنحو الاحتياط أو بنحو التقليد أو

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 13

______________________________

بنحو الاجتهاد فتحصّل انّ تعريف الاجتهاد بالتعريف الثاني لا يتوجّه اليه هذا الاشكال.

و لا يخفي انّ الاجتهاد بتعريف المتأخّرين يكون وجه مصالحة بين الاخباري و الاصولي فانّ الاخباري ينكر الاجتهاد بمعني تحصيل الظنّ و الاصولي يصدقه في مقالته و الاصولي يقول بانّه يلزم الاستناد الي حجّة و الاخباري يصدّقه كما انّ الاصولي يقول بانّ وظيفة الجاهل الرجوع الي العالم و الأخباري يصدّقه فالنزاع لفظي.

ثمّ انّه لا شبهة في توقّف الاجتهاد علي فقه اللّغة و هذا ظاهر كما انّه لا شبهة في لزوم تعلّم القواعد العربيّة من النحو و الصرف و امّا المنطق فلا حاجة اليه فانّ الاستنتاج أمر طبيعي؛ لكن الاشكال بانّه لو لم يتعلّم المنطق أحد يقع في المغالطة و السفسطة؛ و الذي يكون مقوّما للاستنباط أمران الأوّل علم الاصول الثاني علم الرجال؛ امّا الاوّل فظاهر و امّا الثاني فلأنّ الحجّة عبارة عن الخبر الموثوق به أو خبر الثقة امّا الاوّل فلا يمكن الوصول اليه و امّا الثاني فيحتاج احرازه الي علم الرجال.

إن قلت: ما الوجه في عدم الرّجوع الي قول الرجالي و العمل علي طبقه مثلا لو شككنا في وثاقة عمر بن يزيد نراجع كتاب الكشّي أو الشيخ فاذا كان موثّقا نعمل بقوله فما الحاجة الي علم الرّجال؟

قلت: ما الفرق بين هذا الأمر و بين الرجوع في صحّة الترتب الي قول الشيخ في الأصول؛ و التحقيق في كلا الموردين انّ الرجوع الي الشيخ امّا لكونه

من اهل الخبرة و الجاهل يرجع الي العالم و امّا من باب الشهادة امّا علي الأوّل فيخرج المجتهد عن كونه مجتهدا و امّا علي الثاني فنحتاج الي الفحص عن المعارض حيث انّه شبهة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 14

______________________________

حكميّة و أيضا يلزم أن نري انّ شهادته حسيّة أو حدسيّة فنحتاج الي اعمال النظر و هذا معني الاحتياج الي علم الرّجال.

و حيث انجرّ الكلام الي هنا يقع البحث في جهات:

الاولي: في انّه لو حصل ملكة الاستنباط لأحد هل يجوز له التقليد؟ فعن المناهل انّه يجوز و عن الشيخ الانصاري قدّس سرّه الاجماع علي عدم جوازه و التحقيق أن يقال: انّ الاجماع لا يترتّب عليه الاثر لكونه مدركيّا و لا أقلّ من احتماله و الظاهر انّه لا فرق في السيرة العقلائية الجارية في رجوع الجاهل الي العالم و لذا يري انّ الطبيب ربما يراجع الطبيب الآخر و هكذا من ذوي الحرف و الملكات.

و افاد الاستاد بانّه كيف يسوغ دعوي انّ العقلاء يلزمون صاحب الملكة بالرجوع الي من يحتمل في حقّه الخطاء بل يكون قاطعا بانّه لو راجع الادلّة يخطأ في كثير من استدلالاته.

و يرد عليه: انّه ليس الكلام في الالزام بل المدّعي جواز الرجوع و امّا العلم بخطائه فهو مطلب آخر فانّ الرجوع الي من يعلم خطائه لا يجوز حتّي للجاهل و السيرة انّما تجري مع احتمال الصواب.

إن قلت: الأمر في النتيجة واحد إذ من يكون ذا ملكة يعلم بخطاء الآخر دائما.

قلت: ليس الأمر كذلك فانّ وجد ان الملكة و عدمه لا يؤثر ان في العلم بالخطاء و عدمه؛ و امّا الادلّة اللفظيّة الدالّة علي جواز التقليد علي فرض تماميتها لعلّها لا

فرق فيها بين صاحب الملكة و من لا ملكة له فانّ قوله تعالي (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ)* «1» علي فرض دلالته علي جواز التقليد يدلّ علي جواز الرجوع

______________________________

(1) النحل: 43.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 15

______________________________

الي أهل الذكر مع عدم العلم و المفروض انّه غير عالم.

الثانية: انّه هل يجوز للغير أن يرجع اليه؟ امّا مع عدم الاستنباط مطلقا فلا يجوز بلا كلام و امّا لو استنبط شيئا طفيفا فالظاهر انّه لا مانع منه للسيرة نعم الادلّة اللفظيّة علي تقدير تماميتها ربّما لا تشمل لعدم صدق الفقيه علي من يكون عالما بالنسبة الي مسئلة مثلا و لكن يكفي السيرة و الادلّة اللفظيّة لا تردع لعدم مفهوم لها فانتظر.

الثالثة: انّه هل يجوز التصدي للأمور الراجعة الي الحاكم كالقضاء و التصرّف في امور من لا وليّ له؛ الحقّ انّه مشكل فانّ جواز تصرّفات احد و نفوذها علي خلاف الاصل الاوّلي فيحتاج الي الدليل و الظاهر انّه ليس دليل يشمل المورد بالنسبة الي التصدّي للأمور الحسبيّة و امّا بالنّسبة الي القضاء فتفصيل الكلام فيه موكول الي محلّه و لعلّه نتعرّض للتفصيل بعد هذا.

الرابعة: انّه هل يمكن التجزّي في الاجتهاد أم لا؟ ربما يقال بانّه غير ممكن فانّ الملكة النفسانية أمر بسيط غير قابل للتجزية لكنّه ليس صحيحا فانّ المدّعي ليس جواز التجزية في الملكة بل المدعي انّ المتعلّق متعدّد فربّما يحصل الملكة بالنسبة الي مورد و لا يحصل بالنسبة الي مورد آخر.

الخامسة: انّه هل يجوز له الرجوع الي الغير؟ الظاهر انّه لا يجوز و الوجه فيه ظاهر فانّه عالم و يري الغير جاهلا و هذا بخلاف من يكون له الملكة و

لم يستنبط بعد.

السادسة: انّه هل يجوز رجوع الغير اليه؟ فقد ظهر الكلام فيه.

السابعة: انّه هل يجوز له التصدّي للقضاء و الامور الحسبيّة أم لا؟ فقد ظهر الحال أيضا؛ و ملخّص الكلام انّ التصدّي خلاف الاصل و الادلّة اللفظية لعلّها

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 16

______________________________

لا تشمل بعناوينها للعارف بمقدار طفيف و القدر المتيقّن غيره كما انّه يلزم أن يكون اعلم كما حققنا في بعض المباحث و لكن استشكلنا فيه أخيرا.

الثامنة: انّه هل يكون الامور الثلاثة في عرض واحد و انّ المتمكّن من الاجتهاد و التقليد هل يجوز له العمل بالاحتياط أم لا؟ و المصنّف قدّس سرّه قد تعرّض لهذه الجهة في المسائل الآتية؛ فانتظر.

التاسعة: انّه هل يجوز العمل باحد الأوليين مع امكان الاحتياط؟ الحقّ جوازه لعدم الفرق بين العلم باتيان الواقع و بين العلم باتيان ما هو موافق للحجّة؛ فلا اشكال في ترك الاحتياط بل قد يحرم فيما يكون مخلا بالنظام أو يكون موجبا للضرر المنهيّ عنه شرعا.

العاشرة: انّه هل يكون الاجتهاد في عرض التقليد أو يكون مقدّما عليه في الرتبة.

الظاهر انّه في عرضه و لا بدّ من تحصيل الحجّة امّا الاجتهاد أو التقليد؛ و امّا احتمال وجوب الاحتياط بالنحو العيني فلا دليل عليه؛ هذا في الجاهل و امّا من له ملكة الاستنباط فهل يكون له الرجوع الي الغير فقد تقدّم الكلام فيه و قلنا بانّه لا فرق في السيرة العقلائية من هذه الجهة و امّا الدليل اللفظي فأيضا يشمله حيث انّه جاهل؛ و ما في كلام الاستاد من انّه لا يناسب ان يقال لصاحب الملكة اسئل اهل الذّكر بل المناسب له ان يقال له اطلب العلم؛ كلام لا يرجع

الي محصّل صحيح فانّ الخطاب خطاب لعموم الجهّال و المفروض انّه جاهل كما انّه مع فرض اطلاق الدليل اللفظي و تحقّق السيرة لا يبقي مجال للشك في حجيّة قول الغير في حقّه كي يقال بانّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 17

______________________________

الشك في الحجيّة يساوق الجزم بعدمها.

الحادية عشرة: انّه ظهر ممّا قلناه انّ الاجتهاد واجب عقلي تخييري و قد أفاد الاستاد بانّه واجب طريقي بنحو المعذريّة في مورد العلم الإجمالي و في غير مورد العلم الإجمالي واجب طريقي حيث انّه لا منجّز غيره؛ و ما أفاده غير تامّ إذ يكفي في التنجيز مجرّد الشبهة و احتمال التكليف؛ نعم تعلّم الأحكام مقدّمة لامتثالها واجب بالوجوب الطريقي أو الارشادي و التعلّم كما يتحقّق بالاجتهاد كذلك يحصل بالتقليد فالتعلّم بايّ نحو كان واجب شرعا فيما يكون تركه مستلزما لترك الامتثال.

و ملخّص الكلام: انّه يجوز للمكلّف ان يجتهد كما يجوز له أن يقلّد هذا بالنسبة الي فعل نفسه و امّا بالنسبة الي الغير فأفاد الاستاد دام ظله بانّه يجب كفائيا لحفظ الأحكام عن الاندراس و الانطماس فانّه لولاه لاندرس الدّين و يضمحلّ لعدم جواز تقليد الميّت ابتداء؛ و يدلّ علي وجوبه أيضا قوله تعالي في آية النّفر (فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) «1» و قد ورد في تفسير الآية؛ بعض الأخبار.

منها: ما رواه الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام في حديث قال: انّما امروا بالحجّ لعلّة الوفادة الي اللّه عزّ و جلّ و طلب الزيادة و الخروج من كلّ ما اقترف العبد- الي أن قال-: مع ما فيه من التفقه

و نقل أخبار الأئمة عليهم السّلام الي كلّ صقع و ناحية كما قال اللّه عزّ و جلّ: (فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ و لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ

______________________________

(1) التوبة، 122.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 18

______________________________

لَهُمْ «1».

و منها ما رواه عبد المؤمن الأنصاري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ قوما يروون انّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال: اختلاف امتي رحمة، فقال: صدقوا؛ فقلت: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟ قال: ليس حيث تذهب و ذهبوا: انّما اراد قول اللّه عزّ و جلّ: (فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فامرهم أن ينفروا الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيتعلّموا ثمّ يرجعوا الي قومهم فيعلّموهم انّما اراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا في دين اللّه، انّما الدّين واحد؛ انّما الدين واحد «2».

و يرد عليه: انّ ما أفاده يتوقّف علي لزوم تقليد الحيّ و هذا اوّل الكلام و امّا الآية فيرد علي الاستدلال بها اوّلا انّه دام ظلّه استدلّ بها لحجية قول الراوي و كيف يمكن أن يستفاد منها كلا الأمرين؛ لكنّ الحقّ انّه يمكن استفادة كلا الأمرين و نتعرّض لهذه الجهة في بعض المسائل الآتية فانتظر و ثانيا انّ التفقّه في الدّين يحصل بتعلّم الأحكام و يحصل الانذار بتعليم تلك الأحكام الجاهلين اللهم أن يقال انّ من يعلّم الأحكام أما هو بنفسه مجتهد و أما ينقل آراء مجتهد و علي كلا التقديرين يتم ما أفاده من لزوم

الاجتهاد كفائيا فالعمدة هو الاشكال الأوّل.

بقي شي ء: و لو انّه لو احتمل عدم جواز الاحتياط فلا بدّ من الاجتهاد في جوازه أو التقليد.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 65.

(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 19

[الأقوي جواز العمل بالاحتياط]

(مسألة 2): الأقوي جواز العمل بالاحتياط مجتهدا كان أو لا (1).

______________________________

(1) الكلام في جواز الاحتياط يقع تارة في المعاملات و اخري في العبادات؛ امّا المعاملات فلا شبهة في جواز الاحتياط فيها إن كانت بالمعني الأعمّ كتطهير الثوب اعمّ من أن يكون الاحتياط مستلزما لتكرار العمل أم لا و امّا المعاملة بالمعني الاخص كالعقد و الايقاع فربّما يقال بان يشترط الجزم بالانشاء فلا يتحقّق مع الاحتياط.

و يرد عليه مع انّه لا دليل عليه، انّ الانشاء عبارة عن ابراز ما في النفس و هو حاصل و انما الشك في ترتّب الأثر عليه و هذا أمر آخر.

و أفاد الاستاد في المقام بانّه لو تردّد في الانشاء بان قال مثلا بعتك داري إن كان هذا اليوم يوم الجمعة يكون باطلا و لو كان اليوم يوم الجمعة إذ ليس جازما بانشائه.

و ما أفاده غير صحيح فانّه لا شبهة في إنشائه إذ الانشاء عبارة عن ابراز ما في النفس و لا شبهة في انّه ابرز غاية الأمر أنه يشك في المعلّق عليه فيشك في الفعليّة.

و بعبارة اخري: الانشاء واقع بلا شبهة لكن وقع بنحو الوجوب المشروط فيشك في الفعليّة فما أفاده غير تام؛ نعم انّما نلتزم بالفساد من جهة التعبّد و هو التعليق الموجب لفساد البيع.

و امّا العبادات: فتارة يقع الكلام فيها فيما لا يستلزم الاحتياط فيها التكرار و

اخري فيما يستلزم امّا فيما لا يستلزم فلا مانع من الاحتياط فيها في الجملة كما لو احتمل انّ الدعاء عند رؤية الهلال واجب فانّه لا دليل علي انّه لا يجوز الاحتياط فانّ العمل بالاحتياط يقتضي العلم بالاتيان بما هو متعلّق التكليف؛ و امّا الاجماع المدّعي في المقام عن المرتضي و أخيه فعهدة اثباته عليهما.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 20

______________________________

إن قلت: يكفي في اثبات المدّعي وجوب التعلّم.

قلت: انّ وجوب التعلّم ليس نفسيا بل وجوبه طريقي أو ارشادي و المفروض انّ العمل يؤتي به في الخارج فلا اشكال في تحقّق الامتثال.

و امّا احتمال اعتبار قصد الوجه و التميز فمدفوع اوّلا: بالقطع بعدم الاعتبار لعدم الاشارة اليهما في لسان الائمة عليه السّلام و ثانيا انّه يدفعه اصالة البراءة الشرعيّة و العقليّة لكن ذكرنا أخيرا انّه لا مجال للبراءة العقليّة.

إن قلت: انّ العقل يحكم بحسن الاتيان مع القصدين و بعدم الحسن مع عدمهما.

قلت: انّه لا فرق في نظر العقل من هذه الجهة و هذا ادّعاء محض.

ثمّ انّه أفاد الاستاد في المقام بانه علي فرض تماميّة المدّعي انّما يتمّ في الواجب النفسي و امّا الواجب الضمني فلا مجال لهذا المعني فيه فانّ الحسن علي فرض تسلّمه انّما هو في اتيان مجموع العمل لا في كلّ جزء؛ و فيه انّ المفروض الارتباطية فالواجب هو الأكثر و لا يمكن قصد الأكثر جزما بل لا بدّ من الاتيان به احتياطا فالبيان غير تام.

و للميرزا قدّس سرّه كلام في المقام و هو التفصيل بين ما يكون الأمر معلوما لكن لا يعلم انّه وجوبي أو ندبي فانّه في مثله لا بأس بالاحتياط حيث انّه لا يعتبر قصد الوجه و

التميز و امّا لو كان أصل الأمر مشكوكا فيه بحيث لو كان لكان تعبّديا فانّه في مثله لا بدّ من الاجتهاد أو التقليد إذ الامتثال القطعي و الانبعاث عن نفس الأمر مقدّم في نظر العقل علي الامتثال الاحتمالي و حيث انّ الحاكم في باب الامتثال هو العقل لا بدّ من العمل علي طبقه و لو شك لا بدّ من الاحتياط فانّه لا مجال للأخذ بالبراءة بل قاعدة الاشتغال محكّمة لأنّه شك في الامتثال.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 21

لكن يجب ان يكون عارفا بكيفيّة الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد (1).

[قد يكون الاحتياط في الفعل و قد يكون في الترك]

(مسألة 3): قد يكون الاحتياط في الفعل كما اذا احتمل كون الفعل واجبا و كان قاطعا بعدم حرمته (2) و قد يكون في الترك؛ كما اذا احتمل حرمة فعل و كان قاطعا بعدم وجوبه (3)

______________________________

و يرد عليه أولا: انّه لا فرق في نظر العقل في تحقّق الامتثال بين الانبعاث عن أمر المولي و بين الانبعاث عن احتمال الأمر و علي فرض الشك تصل النوبة الي البراءة لما قرّر في محلّه من جريان البراءة من الزائد؛ و ملخّص الكلام انّه انّما يدرك العقل لزوم ما أمر به المولي و الزائد علي هذا المقدار ليس للعقل بالنسبة اليه ادراك و امّا الشك في حكم العقل فلا معني له فانّه كيف يمكن أن يشك أحد في ادراكاته؛ نعم يتصوّر الشك بالنسبة الي السيرة العقلائية و انّها تجري أو لا تجري؛ لكن لا مجال للسيرة في مثل المسألة فانّ الكلام في المقام في الحكم العقلي لا في السيرة العقلائيّة؛ هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

و أمّا المقام الثاني: فيقع البحث حوله عند البحث عن المسألة

الرابعة حيث انّ المصنّف تعرّض لحكم تكرار العبادة فانتظر.

(1) هذا الوجوب عقلي فانّه لو لا معرفة الاحتياط لا يمكن الاتيان به؛ و بعبارة اخري مع عدم المعرفة يلزم الخلف فانّه لا يحرز الاتيان بما يكون واجبا في الواقع.

(2) كما لو احتمل وجوب الدعاء عند رؤية الهلال.

(3) كما لو احتمل حرمة شرب التتن.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 22

و قد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار؛ كما إذا لم يعلم انّ وظيفته القصر أو التمام (1)

[الأقوي جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار]

(مسألة 4): الأقوي جواز الاحتياط؛ و لو كان مستلزما للتكرار؛ و امكن الاجتهاد أو التقليد (2).

[في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلّدا]

(مسألة 5): في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلّدا؛ لأنّ المسألة خلافيّة (3).

______________________________

(1) و كما لو علم بانّ وظيفته الظهر أو الجمعة و يمكن أن يفرض في عمل واحد كما لو جمع في صلاة واحدة بين الجهر و الاخفات؛ ثمّ انّ قوله انّ الجمع بين أمرين يغني عن قوله «مع التكرار» و لا يخفي انّه كما يحصل الاحتياط بالجمع بين فعلين يحصل بالجمع بين تركين كما انّه لو علم بحرمة أحد أمرين و أيضا يحصل بالاتيان بفعل و ترك آخر كما لو علم بانّه امّا يجب الفعل الفلاني أو يحرم الأمر الكذائي.

(2) لعدم لزوم قصد الوجه و التميز و عدم لزوم الانبعاث عن الامر الجزمي و ليس التكرار لعبا بالاطاعة فانّه يمكن أن يكون في التكرار غرض عقلا؛ مضافا الي انّ اللعب لا يكون في الامتثال بل في طريقه كما هو ظاهر.

(3) إذ ليس جواز الاحتياط من القطعيّات فمع احتمال عدم جوازه لا بدّ من تحصيل المؤمّن من الاجتهاد أو التقليد؛ و ممّا ذكر يعلم انّ الاحتياط ليس في عرض الاجتهاد و التقليد و امّا كون التقليد في طول الاجتهاد كما في كلام الاستاذ فقد مرّ ما فيه و قلنا بانّ مطلق الرجوع الي الغير ليس تقليدا بل التقليد نوع من الرجوع؛ و افاد السيد الحكيم قدّس سرّه في المقام بانّ كون المسألة خلافيّة أو وفاقيّة لا يصلح علّة للاكتفاء و عدمه بل اللازم تحصيل المؤمّن من الاجتهاد أو التقليد؛ و ما أفاده غير

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 23

[في الضروريات لا حاجة الي التقليد]

(مسألة 6): في الضروريات لا حاجة الي التقليد؛ كوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما؛ و كذا في

اليقينيّات إذا حصل له اليقين (1) و في غيرهما يجب التقليد إن لم يكن مجتهدا إذا لم يمكن الاحتياط؛ و إن أمكن تخيّر بينه و بين التقليد (2)

[عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل]

(مسألة 7): عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل (3).

[التقليد هو الالتزام بالعمل]

(مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل (4).

______________________________

تام إذ لو لم تكن المسألة خلافيّة و كانت مسلّمة لا مجال للتقليد كما يجي ء في كلام المصنّف و امّا اصل جواز التقليد فامر مسلّم و قطعي و مجرّد ما نسب الي علماء الحلب لا يضرّ بالمدّعي فانّ خلافة أمير المؤمنين عليه السّلام أمر قطعي بين الشيعة و مع ذلك تكون هذه المسألة مورد للخلاف؛ و صفوة القول انّه لا اشكال في أصل جواز التقليد و عليه يجوز للعامي أن يقلّد غيره في جواز الاحتياط.

(1) فان التقليد حجّة ظاهريّة و مع العلم بالحكم الواقعي لا مجال لحكم الظاهري و إن شئت قلت الاحتياج الي احد الأمور الثلاثة لتحصيل المؤمّن عن احتمال العقاب و مع العلم بالواقع كأن علم بوجوب شي ء أو باباحته أو حرمة لا يبقي مجال لهذه الأمور كما هو ظاهر.

(2) و ما أفاده ظاهر واضح و لا يحتاج الي البحث.

(3) المراد من العبارة انّه لا يمكن الاكتفاء به بل لا بدّ امّا من أن يقطع بالكفاية أو يقلّد أو يجتهد أو يحتاط؛ فلا حظ.

(4) قد وقع الخلاف في معني التقليد في كلماتهم و الّذي يظهر من اللّغة انّ التقليد عنوان للعمل قال في المنجد: قلّده السيف جعل حمالته في عنقه قلّده القلادة جعلها في عنقه، العمل فوضعه اليه و عن مجمع البحرين في حديث الخلافة قلّدها

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 24

______________________________

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليا عليه السلام أي جعلها قلادة له الي غير ذلك من الكلمات و يؤيّد المدّعي الاخبار الواردة في أبواب آداب القاضي؛

لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي؛ فجاء اعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه؛ فلمّا سكت قال له الاعرابي: أ هو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة و لم يردّ عليه شيئا؛ فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك؛ فقال له الاعرابي: أ هو في عنقك؟ فسكت ربيعة: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

هو في عنقه قال: أو لم يقل: و كلّ مفت ضامن «1».

و لاحظ ما رواه أبو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «2».

و لاحظ ما رواه اسحاق الصيرفي قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: انّ رجلا احرم فقلّم اظفاره فكانت له اصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه فافتاه رجل بعد ما احرم فقصه فادماه فقال علي الذي افتي شاة «3».

فانّ السائل ما سئل ربيعة عن مسألة و أجاب عنها قال: أ هو في عنقك؟ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام هو في عنقه قال: أو لم يقل: و كلّ مفت ضامن.

و في تلك الرواية قال عليه السلام: من أفتي بغير علم فعليه وزر من عمل به و ما ورد في التعليم بانّ كفارته علي من أفتي به فيعلم انّ الملاك هو العمل.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 13 من أبواب بقية كفارات الاحرام، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 25

______________________________

و في المقام شبهة لصاحب الكفاية و هي

انّه يلزم أن يكون العمل عن تقليد فيكون التقليد هو الالتزام و الّا يلزم أن يكون اوّل عمل صادر من العامي بلا تقليد فانّ العمل لا بدّ أن يكون مسبوقا بالتقليد فكما انّ عمل المجتهد مسبوق بالاجتهاد كذلك يلزم أن يكون عمل العامي مسبوقا بالتقليد.

و يرد عليه: انّه يلزم أن يكون العمل عن تقليد و لا يشترط فيه التقديم الزماني و إن شئت قلت يكفي فيه السبق الرتبي كما انّ الامر كذلك في الاجتهاد غاية الأمر لا يتحقّق هذا التقارن في العمل الصادر عن الاجتهاد خارجا.

إن قلت: علي ما ذكرتم يلزم الدور لأنّ مشروعيّة العمل تتوقّف علي التقليد فلو كان التقليد متوقّفا علي العمل يلزم الدور إذ ما دام لا يتحقّق التقليد لا تتحقّق المشروعيّة و ما دام لا يتحقّق العمل لا يتحقّق التقليد علي الفرض.

قلت: مشروعيّة العمل تتوقّف علي فتوي الغير و التقليد يتوقّف علي العمل الخارجي فلا دور؛ فانقدح انّه ليس معناه أخذ فتوي الغير للعمل به و أيضا ليس معناه الالتزام بالعمل بفتوي الغير و إن لم يعمل به بعد و لا أخذ فتواه و لا الأخذ بقول الغير من غير حجّة و لا قبول قول الغير.

ثمّ انّ هذا كلّه فيما يكون المجتهد واحدا أو متعدّدا و يكونون متّحدين في الفتوي و امّا اذا تعدّد مع الاختلاف فليس الأمر كذلك لأنّ حجية الجميع أمر غير معقول و الترجيح بلا مرجّح غير ممكن؛ فلا بدّ من الالتزام مقدّمة للعمل؛ و يرد عليه انّه مع الاختلاف و عدم كون احدهم اعلم لا يجوز التقليد بل يجب الاحتياط لسقوط الفتاوي؛ مضافا الي انّه لو صحّ القول بالحجيّة التخيريّة فايّ محذور في العمل بايّ من الأقوال

و أيّ فرق بين الواحد و المتعدّد.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 26

______________________________

ثمّ انّه لا يترتّب اثر علي هذا البحث فانّه لم يرد هذا اللفظ في دليل الّا في رواية مرسلة ذكرها في الاحتجاج عن أبي محمّد العسكري عليه السلام في قوله تعالي (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ) قال: هذه لقوم من اليهود- الي أن قال-: و قال رجل للصادق عليه السلام إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب الّا بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمّهم بتقليدهم و القبول من علمائهم؟ و هل عوام اليهود الّا كعوامنا يقلّدون علمائهم- الي أن قال: فقال عليه السلام: بين عوامنا و عوام اليهود فرق من جهة و تسوية من جهة؛ امّا من حيث الاستواء فانّ اللّه ذمّ عوامنا بتقليدهم علمائهم كما ذمّ عوامهم؛ و امّا من حيث افترقوا فانّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصّراح و اكل الحرام و الرّشا و تغيير الأحكام و اضطرّوا بقلوبهم الي انّ من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز ان يصدّق علي اللّه و لا علي الوسائط بين الخلق و بين اللّه فلذلك ذمّهم؛ و كذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر و العصبيّة الشديدة و التّكالب علي الدنيا و حرامها؛ فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الّذين ذمّهم اللّه بالتقليد لفسقة علمائهم، فامّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه؛ حافظا لدينه مخالفا علي هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوامّ أن يقلّدوه؛ و ذلك لا يكون الّا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم؛ فانّ من ركب من القبائح و الفواحش مراكب علماء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا

شيئا و لا كرامة؛ و انّما كثر التخليط فيما يتحمّل عنّا أهل البيت لذلك، لأنّ الفسقة يتحمّلون عنّا فيحرّفونه باسره لجهلهم و يضعون الأشياء علي غير وجهها لقلّة معرفتهم

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 27

______________________________

و آخرون يتعمّدون الكذب علينا الحديث «1».

و هي لا اعتبار بها؛ و لا يخفي انا رجعنا عن القول بعدم اعتبار سند تفسير الامام العسكري عليه السلام و التزمنا باعتباره و الوجه في بنائنا علي اعتبار الكتاب شهادة جملة من الاعلام علي كون الكتاب لمولانا العسكري عليه السلام و هم ابن شهر آشوب في المناقب و الشهيد الثاني في المنية و المجلسي الثاني في البحار و صاحب المختصر نقلنا هذه الشهادات عن خاتمة تفسير الامام عليه السلام.

و ربّما يتوهّم: انّه يظهر النتيجة بالنسبة الي مسألة البقاء علي تقليد الميّت

و مسألة العدول عن الحيّ الي غيره فانّه لو كان المراد من التقليد العمل فلا يجوز البقاء الّا بعد العمل و يجوز علي تقدير خلافه كما انّه يجوز العدول لو لم يعمل علي تقدير كون معناه هو العمل و لا يجوز علي تقدير خلافه.

و الحقّ انّ هذا التوهّم باطل فانّه لا بدّ من البحث في مدرك الفرعين و لذا يمكن أن يكون مقتضي الدليل جواز البقاء في المسألة الاولي أو وجوبه و لو لم يعمل المكلّف برأي المجتهد كما انّه يمكن أن يكون مقتضي الدليل عدم جواز العدول و لو لم يعمل و يمكن أن يكون مقتضاه الجواز بل الوجوب و إن عمل فلا يؤثر فيه تحقيق معني التقليد و سيجي ء تحقيق هذين الفرعين؛ فانتظر.

ثمّ انّه قد سبق انّ جواز التقليد لا يمكن أن يكون بالتقليد بل لا بدّ

أن يكون بالاجتهاد كي لا يلزم محذور التسلسل؛ و قد افاد سيدنا الاستاد دام ظله في المقام بانّ مدرك العامي في التقليد أمران.

أحدهما: السيرة الجارية علي رجوع كلّ جاهل الي العالم في كلّ حرفة

______________________________

(1) الوسائل: الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 20.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 28

______________________________

و صناعة و هذه السيرة العقلائية لم يردع عنها الشارع و هذه السيرة و إن لم يمكن أن يستند اليها العامي لكن يتوجّه اليها بادني تأمّل و اشارة.

و يرد عليه: ما بيّناه سابقا و قلنا بانّه لا يقاس المقام بما جرت عليه السيرة بين العقلاء في أمورهم إذ من الممكن انّ الشارع لا يرضي بالتقليد و كيف يمكن للعامي أن يعلم هذا المعني الّا أن يرجع الي ما ذكرناه و هو انّ العامي بطبعه يرجع الي من يعتقد انّه عالم بالوظيفة و بالسؤال عن العالم يعرف انّ التقليد جائز في الشريعة المقدّسة.

و بعبارة اخري: فرق بين الاجتهاد و بين العلم من طريق السؤال و الدليل علي ذلك انّ العامي يسئل عن وظيفته و إذا كان مجتهدا في جواز التقليد فكيف يسئل عن وظيفته؟ و ملخّص الكلام انّ جواز التقليد و إن لم يكن بالتقليد لكن ليس بالاجتهاد بل بتحصيل العلم الوجداني بالوظيفة من طريق السؤال عن الوظيفة المقرّرة الشرعية.

ثانيهما: دليل الانسداد و تقريبه انّه بعد ما علم انّه عليه تكاليف لا بدّ من الخروج عن عهدتها و طريق الخروج امّا الاجتهاد و امّا الاحتياط و امّا التقليد؛ امّا الاجتهاد فامر ضروري البطلان بين المسلمين و لا يمكن في حقّ احد من اوّل تكليفه؛ و امّا الاحتياط فأيضا لا يجب قطعا؛ فله طريق

آخر من قبل الشارع و ليس له أن يعمل بظنّه دون و همه حيث انّه لا ظن له و علي فرضه لا يترتّب عليه الأثر فليس له طريق الّا التقليد؛ هذا بالنسبة الي العامي بالنسبة الي عمل نفسه و وظيفته و امّا المجتهد فلا يمكن الفتوي بجواز التقليد بهذا التقريب إذ من يري انسداد باب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 29

______________________________

العلم و العلمي يري المجتهد الآخر مخطئا في فتواه فكيف يفتي بجواز تقليده مع اعتقاده بخطإ الآخر.

و يرد عليه: انّه كيف يمكن للعامي تشكيل هذه المقدّمات و كيف يجوز أن يكون الشخص عاميا و مع ذلك يستنبط جواز التقليد بهذه المقدّمات؟

ثمّ انّ المناسب لما تقدّم من البحث حول التقليد و قلنا انّه يجوز التقليد شرعا ان يقع البحث في ادلّة جوازه و هي أمور:

الأوّل: السيرة الجارية بين العقلاء و هي رجوع الجاهل الي العالم و لا اشكال في تحقّق هذه السيرة؛ هذا من ناحية و من ناحية اخري انّ هذه السيرة ممضاة عند الشارع الأقدس و ان شئت فقل لا يكون للشارع في الأمور العقلائية مسلك خاص و طريق مخصوص بل الأمور العقلائية ممضاة عند الّا فيما قام الدليل علي بعض التصرّفات في بعض الموارد و بعبارة اخري: رجوع الجاهل الي العالم و اعتباره مثل العمل بالظواهر و بقول الثقة و امثال هذه الأمور.

إن قلت: يستفاد من قوله تعالي: (إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)* «1» (وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) «2» عدم اعتبار التقليد.

قلت: يرد عليه اوّلا انّه يلزم عدم اعتبار الظهورات و عدم اعتبار قول الثقة بل العادل و هو كما تري و ثانيا

انّ هذه الأمور علم عند العقلاء فلا تكون داخلة في دائرة المنهي عنه.

الثاني: قوله تعالي: (فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي

______________________________

(1) يونس: 36.

(2) الاسراء: 36.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 30

______________________________

الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) «1» بتقريب انّ ما يقع بعد كلمة لعلّ إذا كان فعلا اختياريّا يجب حيث انّه غاية للإنذار الواجب؛ و الحاصل انّ الغاية للأمر الواجب واجب بطريق اولي.

ثمّ انّ الانذار كما يتحقّق بالدلالة المطابقيّة يتحقّق بالدلالة الالزامية فيكون الاخبار حجّة؛ بالدلالة الالتزامية الحاصلة بالافتاء و من ناحية اخري انّ الحذر هو الامر الخارجي لا مجرّد الخوف النفساني بل ربما يقال بانّ الفقيه لا يصدق علي الراوي فيكون دليلا علي حجيّة الافتاء فقط و احتمال لزوم العلم بالمطابقة مع الواقع مدفوع بالاطلاق إذ لم يقيد وجوب الحذر بصورة العلم؛ و ربّما يقال بانّه لم يكن التفقّه في صدر الاوّل متداولا فلا يكون ناظرا الي الفتوي.

و يرد عليه: انّ اختلاف مراتب التفقّه لا يوجب اختصاص الحكم ببعض افراده بل المستفاد من جملة من الروايات انّ الافتاء كان متداولا و محبوبا في ذلك الزمان.

و يرد عليه: انّه لا دلالة في الآية علي وجوب الحذر بل يدلّ علي محبوبيّة الحذر؛ ان قلت: كيف يمكن الالتزام بحسن الحذر مع عدم الوجوب؟ قلت: لا غرو فانّ الاحتياط في الشبهة الحكميّة بعد الفحص حسن مع انّه غير واجب و أيضا نقول المستفاد من هذا الكلام ايجاب الانذار بلحاظ امكان ترتّب الحذر و لا يلزم الجهل بالنسبة اليه تعالي؛ مضافا الي انّه يمكن أن يكون مقيّدا بالعلم و يكون التحذّر حكمة.

______________________________

(1) التوبة: 122.

الغاية القصوي في التعليق

علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 31

______________________________

إن قلت: مقتضي الاطلاق وجوب التحذّر و لو مع عدم العلم.

قلت: ليس الخطاب مسوقا لهذا الحكم بل سيق لأمر آخر و هو وجوب الانذار فلا مجال لأصالة الاطلاق؛ اضف الي جميع ذلك انّه لو سلّم الدلالة فانّما يدلّ في مورد يكون ما بعد لفظ لعلّ و ما قبله شخص واحد كقول الطبيب اشرب الدواء الفلاني لعلّك تصحّ؛ و امّا مثل المقام الذي يكون فعلا لشخصين فلا دلالة فيها؛ فلاحظ.

الثالث: قوله تعالي: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ)* «1» و هذه الآية مذكورة في سورة النحل و في سورة الانبياء «2» و تقريب الاستدلال بها انّ مجرّد السؤال ليس محبوبا نفسيّا للمولي فانّه لغو و أيضا ليس المقصود حصول العلم فانّه بعيد إذ لو قيل لأحد راجع الطبيب ليس معناه انّه راجعه حتّي تصير طبيبا بل معناه انّ قوله حجّة لك فيعلم منه حجيّة قول الغير فيثبت المطلوب.

و يرد عليه: أوّلا انّ استعمال هذه الجملة في مقام تحصيل العلم امر متداول و لا بعد فيه و امّا مثل المثال فانّما هو من جهة القرينة الموجودة فلا كليّة فيه ففي مورد الآية امروا ليعلموا.

و ثانيا: انّ هذا البيان يستلزم الدور إذ ثبوت رسالة يتوقّف علي السؤال و اعتبار الجواب يتوقّف علي تحقّق الرسالة إذ لو لم تكن الرسالة ثابتة عندهم كيف يكون القرآن حجّة عليهم؟ فلا بدّ من أن يكون المراد انّ المقصود من السؤال حصول العلم.

______________________________

(1) النحل: 43.

(2) الأنبياء: 7.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 32

______________________________

و بعبارة واضحة: انّ اعتبار هذه الآية يتوقّف علي حجيّة القرآن و اعتبار القرآن يتوقّف علي تحقّق الرسالة؛

فالنتيجة انّ الرسالة تتوقّف علي السؤال و ارسال السؤال و اطلاقه يتوقّف علي الرسالة.

و ثالثا: انّ النبوّة لا تتحقّق الّا باليقين و لا مجري للتعبّد؛ إن قلت: المورد لا يكون مخصّصا قلت: الخطاب يتوجّه الي المنكرين فلا عموم لا من ناحية المكلّف و لا من ناحية المورد.

و رابعا: انّ هذا الحكم وارد في مورد خاص و العموم لا وجه له الّا من ناحية عدم القول بالفصل و هذا دليل آخر؛ مضافا الي انّه لا أثر له فانّ ما يكون حجّة هو الاجماع لا عدم الفصل أضف الي ذلك انّ الاجماع مدركي و لا أقلّ من احتماله.

و خامسا: انّ أهل الذكر قد فسّر في جملة من الأخبار بالأئمة فلا يشمل غيرهم؛ منها: ما روي عن علي بن ابراهيم: قال قال آل محمّد عليهم السلام هم أهل الذكر، ثمّ قال حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد، عن أبي داود عن سليمان بن سفيان، عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ* من المعنون بذلك؟ فقال: نحن و اللّه فقلت فانتم المسؤولون؟ قال: نعم قلت: نحن السائلون؟ قال: نعم قلت: فعلينا ان نسألكم؟ قال: نعم قلت: و عليكم أن تجيبونا؟ قال: ذاك إلينا ان شئنا فعلنا و إن شئنا تركنا ثمّ قال هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ «1».

و منها: ما روي عن الأصبغ بن نباتة؛ عن علي أمير المؤمنين عليه السلام في

______________________________

(1) تفسير البرهان: ج 3 ص 52، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 33

______________________________

قوله عزّ و جلّ: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ*، قال: نحن

أهل الذكر «1».

و منها: ما روي عن محمد بن مسلم؛ عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: له انّ من عندنا يزعمون انّ قول اللّه عزّ و جلّ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ*؛ انهم اليهود و النصاري؟ قال: اذن يدعوكم الي دينهم قال فاومي بيده الي صدره و قال: نحن أهل الذكر و نحن المسئولون و للذّكر معنيان النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقد سمّي ذكرا لقوله تعالي: ذِكْراً رَسُولًا و القرآن لقوله تعالي: إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ و هم صلوات اللّه عليهم أهل القرآن و أهل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم «2».

و بعبارة اخري: انّ الآية في حدّ نفسها لا تشمل غير علماء اليهود و النصاري و مع ضمّ الأخبار يكون المراد منها أهل البيت فانّهم أدري بما في البيت.

الرابع: الأخبار الدالة علي حرمة القياس و الرأي.

منها: ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في رسالة طويلة له الي أصحابه أمرهم بالنظر فيها و تعاهدها و العمل بها من جملتها: ايّتها العصابة المرحومة المفلحة انّ اللّه اتمّ لكم ما آتاكم من الخير؛ و اعلموا انّه ليس من علم اللّه و لا من امره أن يأخذ أحد من خلق اللّه في دينه بهوي و لا رأي و لا مقاييس؛ قد انزل اللّه القرآن و جعل فيه تبيان كلّ شي ء؛ و جعل للقرآن و تعلّم القرآن اهلا لا يسع أهل علم القرآن الّذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا في دينهم بهوي و لا رأي و لا مقاييس؛ و هم أهل الذكر الّذين أمر اللّه الأمّة بسؤالهم- الي أن قال:

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2)

نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 34

______________________________

و قد عهد إليهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض اللّه عزّ و جلّ رسوله صلّي اللّه عليه و آله و بعد عهده الّذي عهده إلينا و امرنا به؛ مخالفا للّه و لرسوله صلّي اللّه عليه و آله فما أحد أجرأ علي اللّه و لا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك و زعم انّ ذلك يسعه؛ و اللّه انّ للّه علي خلقه ان يطيعوه و يتّبعوا أمره في حياة محمّد صلّي اللّه عليه و آله و بعد موته؛ هل يستطيع اولئك اعداء اللّه ان يزعموا انّ أحدا ممّن اسلم مع محمّد صلّي اللّه عليه و آله أخذ بقوله و رأيه و مقاييسه؟ فان قال: نعم فقد كذب علي اللّه و ضلّ ضلالا بعيدا؛ و ان قال: لا؛ لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه و هواه و مقاييسه؛ فقد اقرّ بالحجّة علي نفسه و هو ممّن يزعم انّ اللّه يطاع و يتّبع امره بعد قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله- الي أن قال-: و كما انّه لم يكن لأحد من الناس مع محمّد صلّي اللّه عليه و آله أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه خلافا لأمر محمّد صلّي اللّه عليه و آله كذلك لم يكن لأحد بعد محمّد صلّي اللّه عليه و آله أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه؛ ثمّ قال: و اتّبعوا آثار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سنّته فخذوا بها؛ و لا تتّبعوا أهواءكم و رأيكم فتضلّوا؛ فانّ اضلّ الناس عند اللّه

من اتَّبَعَ هَوٰاهُ و رأيه بِغَيْرِ هُديً مِنَ اللّٰهِ؛ و قال:

ايّتها العصابة عليكم بآثار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سنّته و آثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من بعده و سنّتهم؛ فانّه من اخذ بذلك فقد اهتدي؛ و من ترك ذلك و رغب عنه ضلّ لأنّهم هم الّذين امر اللّه بطاعتهم و ولايتهم، الحديث «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 35

______________________________

و منها: ما رواه سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسي عليه السلام في حديث قال: ما لكم و للقياس انّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس؛ ثمّ قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به و إذا جاءكم ما لا تعلمون فها- و اومي بيده الي فيه- ثمّ قال: لعن اللّه ابا حنيفة كان يقول: قال علي عليه السلام؛ و قلت: [أنا] و قالت الصحابة؛ و قلت: [انا] ثمّ قال: أكنت تجلس اليه؟ قلت: لا و لكن هذا كلامه فقلت:

اصلحك اللّه أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال: نعم و ما يحتاجون اليه الي يوم القيامة فقلت: فضاع من ذلك شي ء؟ فقال: لا هو عند أهله «1».

و منها: ما رواه عيسي بن عبد اللّه القرشي قال: دخل أبو حنيفة علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له: يا أبا حنيفة بلغني انّك تقيس؟ قال: نعم؛ قال: لا تقس فانّ اوّل من قاس ابليس، الحديث «2».

و منها: ما رواه أبان بن تغلب؛ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انّ السنّة لا تقاس؛ ألا

تري انّ المرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؛ يا أبان انّ السنة إذا قيست محق الدين «3».

و منها: ما رواه مسعدة بن صدقة؛ عن جعفر بن محمد، عن أبيه انّ عليا عليه السلام قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس؛ و من دان اللّه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3) نفس المصدر، الحديث 10.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 36

______________________________

بالرّأي لم يزل دهره في ارتماس «1»، الي غيرها من الروايات.

و هذه الروايات لا شبهة في تواترها فانّها تدلّ مع عدم اعتبار القياس و الرّأي فان كان الاجتهاد و استنباط الحكم كالقياس في البطلان لكان المناسب للشرع الاطهر أن ينهي عنه أيضا و الحال انّه ليس الأمر كذلك بل الامر علي العكس؛ الّا أن يقال انّ عدم بطلان الاجتهاد لا يستلزم حجيّة قول المجتهد لغيره.

الخامس: الأخبار الدالّة علي جواز التقليد و لا شبهة في تواترها و لو اجمالا؛ و هذه الأخبار علي طوائف:

منها: ما يدلّ علي المراجعة الي الرواة و الأخذ منهم فانّ اطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الرواية و الدراية؛ لاحظ ما رواه أحمد بن اسحاق، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته و قلت: من اعامل؟ و عمّن آخذ؟ و قول من اقبل؟ فقال: العمري ثقتي فما ادّي إليك عنّي فعنّي يؤدّي؛ و ما قال لك عنّي فعنّي يقول؛ فاسمع له و اطع فانّه الثقة المأمون؛ قال: و سألت أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك فقال:

العمري و ابنه ثقتان فما ادّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان؛ و ما قالا لك فعنّي يقولان؛ فاسمع لهما و اطعهما فانّهما الثقتان

المأمونان الحديث «2».

و منها: الأخبار الدالّة علي جواز الافتاء بل وجوبه بالنسبة الي بعض الأصحاب و الافتاء و إن لم يكن صريحا في الفتوي الاصطلاحي لكن لا يختصّ بالرواية كقوله عليه السلام لأبان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة و افت الناس فانّي احبّ أن يري مثلك في شيعتي مثلك؛ فجلس، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام لما

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 11.

(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 37

______________________________

أتاه نعيه: أما و اللّه لقد اوجع قلبي موت أبان «1».

و منها: ما يدلّ علي عدم جواز القضاء و الافتاء بغير علم لاحظ ما رواه أبو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: من أفتي الناس بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لٰا هُديً من اللّه لعنته ملائكة الرّحمة و ملائكة العذاب؛ و لحقه وزر من عمل بفتياه «2».

و منها: ما رواه مفضّل بن مزيد [يزيد] قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انهاك عن خصلتين فيهما هلك الرّجال: انهاك أن تدين اللّه بالباطل؛ و تفتي الناس بما لا تعلم «3».

اضف الي ما ذكر ما تقدّم منّا انّ التفسير العسكري صحّحنا سنده فقوله عليه السلام في تلك الرواية (و امّا من كان من الفقهاء الخ) «4» قد دلّ بوضوح علي جواز التقليد.

السادس: انّه لا يثبت في انّ العوام مكلّفون بالتكاليف الشرعيّة و لا يلزم عليهم الاحتياط قطعا فلا سبيل لهم الّا التقليد و هذا دليل واضح بل احسن الوجوه المذكورة في المقام.

بقي شي ء: و هو انّ جملة من الآيات: تنهي عن التقليد و تذم المقلدين منها قوله تعالي: (وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ

قٰالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مٰا أَلْفَيْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا

______________________________

(1) الوسائل: المجلد الثلاثون، ص 291.

(2) الوسائل: الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

(4) لاحظ ص 26.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 38

بقول مجتهد معيّن (1) بل لو لم يأخذ فتواه فاذا أخذ رسالته و التزم بالعمل بما فيها كفي في تحقق التقليد.

[الأقوي جواز البقاء علي تقليد الميّت]

(مسألة 9): الأقوي جواز البقاء علي تقليد الميّت و لا يجوز تقليد الميّت ابتداء (2).

______________________________

أَ وَ لَوْ كٰانَ آبٰاؤُهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لٰا يَهْتَدُونَ) «1» و منها قوله تعالي: (وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمْ تَعٰالَوْا إِليٰ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ إِلَي الرَّسُولِ قٰالُوا حَسْبُنٰا مٰا وَجَدْنٰا عَلَيْهِ آبٰاءَنٰا أَ وَ لَوْ كٰانَ آبٰاؤُهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ لٰا يَهْتَدُونَ) «2» لكن هذه الآيات لا ترتبط بالمقام بل ترتبط باصول الدّين مضافا الي انّه من رجوع الجاهل الي مثله و أيضا لا يضرّنا ما في الكتاب من النهي عن العمل بغير العلم إذ لا شبهة في انّه يلزم ان ينتهي الي القطع بالحجيّة.

(1) قد أفاد الاستاد ان المجتهد امّا واحد و امّا متعدّد و علي الثاني فامّا متّفقون و امّا مختلفون؛ امّا علي فرض الوحدة فلا معني للتخيير و علي فرض الثاني فلا وجه للتعيين فانّه بلا مرجّح إذ علي الفرض يكون الحجّة الجامع و علي فرض الثالث لا بدّ من الاحتياط للتعارض و عدم شمول الدّليل لشي ء من الاقوال إذ شموله للكلّ تعبّد بالمتنافيين و هو محال و شموله للمعيّن بلا مرجّح فلا مناص عن الاحتياط؛ هذا كلامه.

و يرد عليه: انّه يمكن أن يفرض التعدّد و لا يعلم باختلافهم.

(2) الّذي يظهر من كلامهم انّ الأقوال في

اعتبار الحياة في مرجع التقليد

______________________________

(1) البقرة: 170.

(2) المائدة: 104.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 39

______________________________

مختلفة؛ منها: ما نسب الي الاخباري من الجواز مطلقا ابتداء و استدامة و من نسب اليه هذا القول من الاصوليّين و منها: التفصيل بين البقاء فيجوز و الابتداء فلا يجوز و هذا القول مذهب جملة من الاصوليين أيضا و لعلّه يظهر ممّا نتكلّم فيه إن شاء اللّه قول آخر و هو القول بوجوب البقاء في بعض الصّور و الحرمة في صورة اخري؛ الّا أن يقال بانّ المراد من الجواز في العنوان الجواز بالمعني الاعمّ و لا مشاحة في الاصطلاح؛ هذا بالنسبة الي الامامية و امّا العامّة فقد جوّزوا تقليد الميّت ابتداء و لذا استقرّ مذهبهم علي تقليد اشخاص مخصوصين و يظهر ممّا نقل في هذا المقام انّه قرّر في عصر السيد المرتضي انّه ينحصر المذهب في عدد مخصوص كي يحفظ أحكام الدّين و لا يدخل فيه أباطيل كدين عيسي عليه السلام.

و يمكن أن يقال: بانّ خلاف صاحب القوانين قدّس سرّه ليس خرقا للإجماع فانّه مبنيّ علي ما اسّسه من انسداد باب العلمي و بعد ما سلّم هذا المعني و الاحتياط متعذّرا و متعسّر تصل النوبة الي الظنّ فيجوز العمل بالظنّ الحاصل للمجتهد بلا فرق فيه بين أن يكون ذلك حيّا أو ميّتا و ما بني عليه ناش من انّه يري انّ حجيّة الظواهر مختصّة بمن قصد افهامه و أيضا لا يري حجيّة الخبر الواحد.

و يرد عليه: أوّلا: انّ باب العلمي ليس منسدّا إذ لم يختصّ حجيّة الظهور بمن قصد افهامه و علي فرض الاختصاص يكفي في التعميم قاعدة الاشتراك في التكليف؛ و امّا الخبر فقد حقّقنا

في الأصول بانّ خبر الثقة حجّة لا خبر موثوق به فانّه قلّما يوجد في الأخبار خبر موثوق به كما هو ظاهر لكن يكفي في الانفتاح خبر الثقة؛ و ثانيا: انّ البناء فاسد و لو سلّم صحّة المبني لأنّ الظنّ الحاصل للمجتهد حجّة له لا لغيره فانّه كيف يحصل للعامي ظنّ بالواقع و الحال انّ غيره مخالف له في الرأي.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 40

______________________________

لكن هذا الاشكال غير وارد عليه إذ الميزان الأقربيّة الي الواقع و من الظاهر انّ رأي المجتهد أقرب الي الواقع؛ نعم لو كان المناط الاقربيّة لا يبعد أن يكون القول المشهور بين الأصحاب أقرب و أيضا لا يبعد أن يكون قول الأعلم أقرب.

و امّا الأخباري فأيضا يمكن أن يقال: بانّ خلافه ليس خرقا للإجماع إذ هو لا يري حجيّة قول المجتهد بل يري اعتبار قوله من باب حجيّة الخبر و من الظاهر انّه لا فرق في الراوي بين الحيّ و الميّت.

و يرد عليه: من حيث المبني ما تقدّم من حجيّة قول المجتهد مضافا الي أنّ قول المجتهد لا يمكن أن يكون حجّة من باب الخبر إذ الخبر لا بدّ أن يكون حسيّا و قول المجتهد لا يعتبر فيه ذلك كما هو ظاهر و امّا ما بني عليه فيرد عليه: انّه لا يمكن العمل بالخبر الّا بعد الفحص عن المعارض و المخصّص و المقيّد و ليس هذه الأمور من شأن العامي لكن يرد عليه: انّ الرجوع الي الحيّ أيضا يترتّب عليه هذا المحذور.

و ملخّص الكلام: انّ خلاف صاحب القوانين قدّس سرّه و الأخباري ليس خرقا؛ للإجماع اذ خلافهما علي مسلكهما الفاسد.

إن قلت: انّهما قائلان بالجواز مع رجوعهما

عن هذا المسلك.

قلت: هذا أوّل الكلام و لا يمكن اثباته؛ اضف الي ذلك انّ النتيجة عدم الاجماع علي الحرمة و هذا هو المطلوب؛ و الذي يهوّن الخطب انّ غاية ما في الباب تحقّق الاجماع و لا يترتّب عليه اثر فانّه محتمل المدرك إن لم يكن من المقطوع به فالعمدة النظر في الادلّة و استفادة ذلك الحكم منها.

فنقول امّا القائلون بالجواز: فما يمكن أن يكون دليلا لهم أو استدلّوا به امور؛

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 41

______________________________

منها انّ ما استدلّ به من الكتاب علي جواز التقليد مطلق من حيث كون المرجع حيّا أو ميّتا فانّ آية النفر و كذلك آية السؤال تشملان الميّت كما تشملان الحيّ بلا فرق.

و أورد عليه: سيّدنا الاستاد دام ظلّه بانّه علي تقدير الاطلاق و تماميّته لا يمكن التمسّك بهما لفتوي الميّت إذ لا ريب في انّ فتوي الميّت تخالف لفتوي الاحياء بل الأموات و مع اختلاف الفتاوي لا يمكن أن يشملها الادلّة بل بالتّعارض تسقط.

و يرد عليه: أوّلا: انّ هذا الايراد اخصّ من المدّعي فانّه لو فرض عدم العلم بالخلاف و لو نادرا فالاستدلال غير تامّ.

و ثانيا: انّ هذا الايراد لا يرتبط بالمقام فانّه من جهة وجود المانع لا من حيث القصور في المقتضي و لذا لو علم الاختلاف بين الاحياء فالامر أيضا كذلك.

و أورد عليه ثانيا: بانّ القضايا ظاهرة في الفعلية فلا بدّ من فعليّة العنوان فلو لم يكن الانذار فعليّا لا يجب الحذر فلا يجوز تقليده و أيضا لا بدّ من صدق عنوان أهل الذّكر و من الظاهر انّ الميّت لا يكون ذاكرا؛ و لا نريد ان ندّعي انّ الحذر لا بدّ أن يكون

مقارنا للإنذار فلا يكون حجّة لو لم يقارن بل ندّعي انّ فعليّة العناوين مأخوذة في موضوع الحجيّة.

و يرد عليه: انّه لو انذر ثمّ سكت أو نام أو اغمي عليه فعلم انذاره لمن يكن حاضرا في مجلس الانذار أ ليس الحذر واجبا أيضا بالنسبة اليه و الحال انّه لا يصدق عليه انّه منذر بالفعل؛ هذا اوّلا و ثانيا: انّ الّذي يستفاد من هذا الكلام و امثاله بحسب المتفاهم العرفي انّ هذا القول و هذا الكلام حجّة للمولي علي العبد بلا فرق بين ان يتحقّق أو لم يتحقّق و بلا فرق بين الفعلية و الانقضاء و بلا فرق بين الحياة و الموت؛ لكنّ الاشكال كلّ الاشكال في أصل الاستدلال بالآيتين و قد تقدّم ما

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 42

______________________________

قلناه و اوردناه علي الاستدلال بهما.

و منها: انّ الروايات الدالّة علي حجيّة قول المجتهد مطلقة من حيث الحياة و الموت.

و يرد عليه: انّ ظهورها في الحياة مما لا ينكر و ان شئت قلت: انّه لا دليل علي الاطلاق المدّعي في المقام فإنها امّا تدلّ علي حجيّة قول اشخاص مخصوصين كأبان بن تغلب و زكريا بن آدم و يونس بن عبد الرحمن و امّا تدلّ علي حجيّة قول الناظر في الحلال و الحرام أو الراوي أو الفقيه أو غيرها فانّها لا تشمل الميّت بلا اشكال فلا بدّ من تنقيح المناط فهذا الاستدلال أيضا ساقط من هذه الجهة؛ اللهمّ الّا أن يقال لا يستفاد من هذه الأخبار اشتراط الحياة فانّ المستفاد من هذه الأخبار بحسب الفهم العرفي اعتبار قول الراوي أو المفتي.

و منها: السيرة بدعوي انّ العقلاء لا يفرّقون بين الحيّ و الميّت و الشارع

لم يردع عن هذه السيرة فيجوز تقليد الميّت ابتداء كما يجوز تقليد الحيّ.

و أورد عليه: الاستاد بانّ السيرة مع الاختلاف غير قائمة.

و يرد عليه: أوّلا: انّ هذا اخصّ من المدّعي فانّه لو لم يكن علم بالمخالفة لا مانع من التمسّك بالسيرة؛ مضافا الي انّ هذا الاشكال موجود بالنسبة الي الحيّ أيضا؛ و ما ذكر في مقام المنع و الرّدع أمور:

الأول: انّ الآيات و الروايات ظاهرة في اشتراط الحياة و هي تنفي الاعتبار عن رأي الميّت. و فيه انّه قد مرّ عدم دلالة الكتاب و امّا الروايات فما كان دالا و يكون معتبرا من حيث السند فلا مفهوم له و امّا ماله مفهوم كخبر الاحتجاج «1» فلا اعتبار

______________________________

(1) لاحظ ص 26.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 43

______________________________

بسنده لكن رجعنا عن هذه المقالة و قلنا سند التفسير تام فلا بد من طريق آخر و وسيلة اخري للجواب عن هذا الاشكال فنقول الحديث لا مفهوم له فانّه متعرض لحكم الموجودين و يقسمهم الي قسمين ينهي عن تقليد قسم منهم و يجوز تقليد قسم آخر و من الظاهر انّ اللقب لا مفهوم له و عبارة واضحة اثبات شي ء لا ينفي ما عداه و ببيان اجلي ان القضية لا تكون شرطية كي يكون لها مفهوم بل القضية جملة منفصلة فلا مجال لاستفادة المفهوم منها.

يؤيد ما ذكرنا ما افاده سيدنا الاستاد في هذا المقام فانه قدّس سرّه قال في جملة كلام له انّ الرواية انما وردت لبيان ما هو الفارق بين عوامنا و عوام اليهود في تقليدهم علمائهم نظرا الي ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصراح و اكل الحرام و الرشاء، و تغيير

الأحكام و التفتوا الي انّ من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز ان يصدق علي اللّه و لا علي الوسائط بين الخلق و بين اللّه و مع هذا قلدوا علمائهم و اتبعوا آرائهم فلذلك ذمهم اللّه سبحانه بقوله عزّ من قائل: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتٰابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ) حيث فسّر في نفس الرواية بقوم من اليهود ثم بيّن عليه السلام ان عوامنا أيضا كذلك اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التكالب علي الدنيا و حرامها فمن قلد منه هؤلاء فهو مثل اليهود الّذين ذمهم اللّه بالتقليد لفسقة علمائهم فاما من كان من الفقهاء …

و حاصل كلامه عليه السلام لو صحت الرواية ان التقليد انما يجوز ممن هو مورد الوثوق و مأمون عن الخيانة و الكذب و الاعتماد علي قوله و اتّباع آرائه غير مذموم عند العقلاء و ذلك كما اذا لم يعملوا منه الكذب الصراح و أكل الحرام و هذا كما تري

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 44

______________________________

لا دلالة له علي اعتبار العدالة في المقلد لأنّ الوثاقة كافية علي صحة الاعتماد علي قوله فان بالوثوق يكون الرجوع اليه صحيحا عند العقلاء «1».

و لنا أن نقول ان الميزان المستفاد من ذيل الحديث و هو قوله عليه السلام «فان من ركب من القبائح و الفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا الخ» انّ مثل هذا الشخص لا يكون قابلا لان يقلّد و هذا ظاهر واضح فلا يدل الحديث علي اشتراط العدالة و لا علي غيرها من الشرائط.

الثاني: الاجماع؛ و فيه أولا: انّه لا اجماع إذ الاخباريّون و صاحب القوانين من الاصوليين يجوزون

تقليد الميت ابتداء.

و ثانيا: انّه ليس اجماعا تعبّديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الثالث: انّه لا شبهة في انّه عند العلم بالخلاف يجب تقليد الأعلم فلا بدّ من وجوب تقليد شخص واحد اعلم من غيره علي الاطلاق و من الضروري من مذهب الشيعة بطلانه فانّه يستلزم ان نعتقد بإمام ثالث عشر.

و فيه: أوّلا: انه لا يلزم العلم بالخلاف حتّي في مورد الابتلاء.

و ثانيا: انّ الأعلم يختلف بحسب اختلاف الاعصار فلا ينحصر في شخص واحد و ليس بطلان هذا الأمر من ضروري المذهب و الّا لم يقع محطا للبحث؛ مضافا الي انّه لا يستلزم القول بالامامة كما هو ظاهر بل الحقّ انّه احسن فانّه لو كان كذلك لا يتحقّق الخلاف و الهرج و المرج الّذين نراهما في عصرنا.

______________________________

(1) التنقيح: ج 1 ص 184 مؤسسة احياء الآثار للسيد الخوئي قدّس سرّه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 45

______________________________

و منها الاستصحاب: بتقريب انّ قول المجتهد في زمان حياته كان حجّة و الاستصحاب يقتضي بقائها بعد موته و لو لا هذا الاستصحاب لكان مقتضي الشك في الحجيّة عدم العمل بقوله لعدم الدّليل.

و يرد عليه: أوّلا: انّ الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلّي الالهي.

و ثانيا: انّ الّذي كان قول المجتهد حجّة في حقّه من كان معاصرا له و مدركا ايّاه فلا يقين بالحجيّة حتّي تستصحب؛ و إن شئت قلت انّ الدليل المتكفّل لحجيّة قوله امّا مطلق يشمل الموجود و المعدوم و امّا لا اطلاق فيه؛ امّا علي الأوّل فلا تصل النوبة الي الاستصحاب و امّا علي الثاني فاركان الاستصحاب غير تامّة؛

و ثالثا: انّ المعلوم من الحجّة قول من كان حيّا؛ و بعبارة اخري: المقدار المعلوم للموضوع

ان يصدق عنوان الفقيه و العالم فلا يقين ببقاء الموضوع الذي يكون معتبرا في جريان الاستصحاب؛

و رابعا: انّ الدليل المثبت للحجيّة امّا هو الكتاب و امّا الروايات و امّا السيرة؛ امّا الأوّل فلا دلالة فيه فلا تصل النوبة الي الاستصحاب كما هو ظاهر و امّا الثاني فقد تقدّم انّ الظاهر من الدليل هو عنوان الحيّ؛ و بعبارة اخري: مقتضي ما يفهم من تلك الروايات انعدام الموضوع بالموت لكن ذكرنا هناك ان المستفاد من الدليل اعتبار القول و الرأي فلا يضر الموت بالاعتبار و علي كلا التقديرين لا مجال للاستصحاب.

و أمّا الثالث: فلا فرق فيها بين الحيّ و الميّت فلا تصل النّوبة الي الاستصحاب إن قلت: انّ السيرة مردوعة.

قلت: علي فرض تماميّة هذا المدّعي فلا تصل النوبة الي الاستصحاب أيضا

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 46

______________________________

كما هو ظاهر.

و خامسا: انّ الاستصحاب امّا يجري في الحكم الفعلي و امّا يجري في الحكم التعليقي؛ امّا الأوّل: فلا فعلية للمعلوم السّابق فأركان الاستصحاب غير تامّة و بعبارة واضحة انّ الحكم الفعلي غير محرز لدي المكلف اذ المفروض انه غير مدرك لزمان حياة المجتهد فلا فعلية بالنسبة اليه.

و أمّا الثاني: فانّه و إن كان معلوما و لا اشكال فيه من هذه الجهة لكنّ الاشكال في سعة الجعل و ضيقه حدوثا لا بقاء و بعبارة اخري: هذا الأصل أسوأ حالا من الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي اذ لا شبهة فيه من هذه الناحية فانّ حرمة الوطي بالنسبة الي الحائض ما دام تري الدّم محرزة و انّما الشك في بقاء الحرمة بعد انقطاع الدّم قبل الاغتسال؛ فأركان الاستصحاب تامّة و امّا في مثل المقام فدائرة الجعل من

الأوّل غير معلومة و إن شئت قلت: انّ الشك في اصل الجعل فان المجعول في استصحاب الحكم الكلي معلوم و أمّا في التعليقي فغير معلوم من الأوّل.

و سادسا: انّ الرّأي غير باق بعد الموت فليس بقاء للموضوع نعم الرأي باق ببقاء النفس الناطقة لكن لا أثر لهذا البقاء بل الموضوع في باب الاستصحاب عرفي؛ و يمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بانّ الرأي و إن كان موضوعا للحجيّة لكن فرق بين الموضوعات فانّها قد تكون موضوعة بوجودها الحدوثي و البقائي فلو لم يبقي لا يترتّب عليه الحكم لشرب الخمر فانّ حرمته مادا الخمر باقيا و امّا لو انقلب خلا فيجوز شربه؛ و تارة يكون الموضوع بحدوثه كافيا في ترتب الحكم و لو بعد زواله كحرمة الاقتداء فانّ وقوع الحد علي المحدود كاف في ترتب حرمة الاقتداء به ما دام

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 47

______________________________

حيّا و حجيّة الرّأي عند العقلاء من قبيل الثاني فلو فرض زوال الرّأي يكفي في الاستصحاب؛ و ما عن صاحب الكفاية في هذا المقام من انّ زوال الرأي يوجب زوال الحجيّة كما نري في الهرم و التبدّل و الجنون؛ يمكن أن يجاب عنه بانّ الوجه فيه غير ما ذكر امّا في التبدّل فلكشف خطائه و هو كذلك حتي في الخبر فانّ الراوي لو قال اشتبهت في أخباري لا يعمل بخبره بلا شبهة و امّا في غيره فلأنّ مثل هذا الشخص لا يليق بمقام التقليد و الزعامة كالفسق و امّا في الهرم فلأنّ الناس مع كونه حيّا لا رأي له فلا مجال للعمل بقوله فتأمّل و أمّا في الموت فليس الأمر كذلك بل النفس بالموت تترقي إذا

انقطعت عن عالم الناسوت و صارت من المجرّدات.

و للمحقّق الاصفهاني قدّس سرّه علي ما في التقرير كلام في المقام و هو التفصيل بين أن يكون الحجّة للمقلّد قطع المجتهد بالحكم الظاهري و بين أن يكون الحجّة ظنّه بالحكم الواقعي فعلي الأوّل لا يجري الاستصحاب لزواله قطعا بانكشاف الواقع نفيا و اثباتا و زوال القطع بالحكم الظاهري قطعا فلا يجري الاستصحاب و امّا علي الثاني فلا مانع من جريان الاستصحاب إذ بقائه محتمل و انكشاف الواقع غير ضائر لأنّه خرج عن حدّ الضعف الي الشدّة و احتمال انقلاب ظنّه الي القطع بالخلاف لا يمنع من الاستصحاب بل يؤكّده كما هو ظاهر.

و يرد عليه: أوّلا: أنّه يكفي في الاستصحاب حدوث الرّأي كما مرّ آنفا.

و ثانيا: انّ هذا التفصيل انّما يصار اليه لو قلنا بحجيّة الظن الشخصي و امّا لو قلنا بكون ظنّه نوعا حجّة فحال الامارة حال الأصل في سقوطه عن الحجيّة امّا بالعلم بالخلاف و امّا بالعلم بالوفاق؛ نعم لو قلنا بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي يجري الاستصحاب لاحتمال بقاء الحجّة بانقلاب الامارة بالقطع

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 48

______________________________

بالواقع و انّي لنا بذلك؛ اذا عرفت ما تقدم نقول: انّ المستفاد ممّا تقدم انّ المقتضي لاعتبار قول الميّت موجود و الذي ذكر في مقام الرّدع امور و تعرضنا لكل واحد منها واجبنا عنه فراجع ما تقدم «1».

هذا تمام الكلام في تقليد الميّت ابتداء؛ و امّا البقاء علي تقليده فهو تارة مع شك المقلد في مخالفة قوله لغيره أو موافقته و اخري مع علمه بالمخالفة و ثالثة مع علمه بالموافقة فيقع الكلام في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل: انّه لو كان شاكا

في المخالفة فهل يجوز البقاء أم لا؛

ما يمكن أن يكون وجها له هي الوجوه التي قد مرّت للجواز مع عدم العلم بالمخالفة.

الأوّل: الاستصحاب و تقريبه ظاهر و يرد عليه: انّه و إن لم يرد عليه أكثر الاشكالات المتقدّمة لكن يكفي في عدم جريانه عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي.

الثاني: المطلقات من الكتاب و السنّة بدعوي انّه و إن سلم ظهور الادلّة في اشتراط الحياة لكن مقتضي اطلاق دليل الحجيّة كفاية الحياة ابتداء؛ و ما افيد في هذا الوجه: و إن لم يفد بالنسبة الي الكتاب لما ذكرنا من عدم دلالته علي المدّعي لكن تامّ بالنسبة الي السنّة فانّ قوله عليه السلام: في جواب قول السائل فممّن آخذ معالم ديني؟ من زكريا بن آدم المأمون علي الدّين و الدنيا فلأنّه لو أخذ معالم دينه منه يكفيه حتّي بعد وفات زكريا بلا كلام لكن لا بدّ من ملاحظة انّ ما فيه الاطلاق المقتضي لحجيّة قول الفقيه هل يكون تامّا سندا أم لا؛ و لقائل أن يقول: انّه يكفي

______________________________

(1) راجع ص 42.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 49

______________________________

للمدّعي ما في رواية أبان حيث قال له عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة و افت الناس؛ الحديث «1».

فانّ مفاده حجيّة قول أبان و فتواه لغيره و لو بعد وفاته الّا انّه يلزم احراز كونه فقيها قابلا لان يقلّد إذ قلنا انّ الافتاء ليس ظاهرا في الفتوي المصطلحة عندنا لكن بعد المراجعة الأخيرة ظهر انّ الافتاء عبارة عن اظهار الرأي.

الثالث: السيرة و تقريبها واضح و لا يرد عليها المحذور المتقدّم فانّها غير مردوعة إذ لا نقطع ببطلان البقاء علي تقليد الميّت.

ثمّ انّه هل يشترط في جواز

البقاء العمل بقوله أو لا يلزم؟ ربما يتوهّم بانّه يختلف الحال باختلاف معني التقليد فانّه لو قلنا بانّه العمل كما قلنا يلزم العمل و الّا فلا؛ و هذا التوهّم فاسد إذ لم يرد الحكم علي هذا العنوان بل لا بدّ أن يلاحظ مقدار الدّليل الذي استند اليه و حيث انّ الادلّة التي عمدتها السيرة لا فرق في دلالتها بين تحقّق العمل و عدم تحقّقه؛ فلا يشترط العمل و إن كان التقليد اشرب في معناه العمل لكن هل يشترط أن يكون ذاكرا لفتواه أو يكفي التعلّم للعمل و إن نسي بعد ذلك.

أفاد سيّدنا الاستاد دام ظلّه بانّه يشترط في جواز البقاء الذكر امّا لو نسي فلا اثر للذكر السابق و يكون من التقليد الابتدائي الّذي قد مرّ بطلانه فلا يجوز مع النسيان و إن عمل به مدّة.

و يرد عليه: انّ التقليد كما اعترف به لم يرد مورد دليل و انّما الزم بعدم الجواز لترتب محذور أن يكون المرجع واحد أو حيث انّ هذا المحذور لا يترتّب علي تقليد الميّت بقاء و لو نسي فتواه فلا مانع من العمل بالمقتضي. و ملخّص الكلام ان السيرة

______________________________

(1) لاحظ ص 36.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 50

______________________________

مقتضية للجواز و المقدار المردوع عنه هو الاطلاق للزوم المحذور المذكور في كلامه علي ما رامه و أوردنا عليه و هذا المحذور غير مترتب في مفروض الكلام خصوصا بالنسبة الي من عمل بالفتوي مدّة من الزمان؛ فلاحظ.

و أمّا المقام الثاني: أي ما علم المقلّد بمخالفة رأي الميّت مع الحيّ فأمّا يكون رأي احدهما موافقا للاحتياط بخلاف الآخر فلا اشكال في جواز العمل بقول من يكون قوله موافقا للاحتياط لكنّه

في الحقيقة انّ هذا عمل بالاحتياط و لا يجوز له قصد الوجوب؛ و امّا لو فرض قول كليهما مخالفا للاحتياط أو كليهما موافقا من جهة و مخالفا من جهة فامّا لا يعلم باعلميّة احدهما أعمّ من أن يعلم بالتساوي أم لا فامّا يكون الاحتياط ممكنا و امّا لا يكون ممكنا أمّا علي الأوّل فيلزم الاحتياط و امّا علي الثاني فالمرجع هو التّخيير لا لحجيّة احدهما بل لعدم امكان الاحتياط و تنزّل العقل من الامتثال القطعي؛ الي الاحتمالي و يترتّب عليه آثاره من انّه لو كان مقصّرا يستحقّ العقاب و لزوم القضاء في خارج الوقت؛ و السرّ فيه انّ دليل الحجيّة لا يمكن شموله لكلا القولين فبالتّعارض يسقط الدّليل فلا بدّ من العمل علي طبق حكم العقل؛ و لا يخفي انّ هذا تخيير في مقام الامتثال لا في المسألة الاصوليّة.

و أمّا المقام الثالث و هو لو علم بموافقة رأي الميّت للحيّ فربما يقال: بانّه يلزم الاستناد الي الحجّة و مع عدم الاستناد لا تتمّ الحجيّة كما عن الميرزا قدّس سرّه فتظهر الثمرة بين القول بجواز البقاء و عدمه إذ لو استند المقلّد الي رأي الميّت يكون معذورا لتماميّة الحجّة و إن لم نقل بالجواز لا يكون معذورا؛ فنقول امّا البقاء في صورة الموافقة فجائز لشمول الادلّة بلا تعارض فانّه كما يشمل دليل حجيّة الخبر الواحد كلا الخبرين المتوافقين في المدلول بلا وقوع مناف فيه كذلك يشمل الدليل كلا الفتويين

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 51

[إذا عدل عن الميّت الي الحيّ لا يجوز له العود الي الميّت]

(مسألة 10): إذا عدل عن الميّت الي الحيّ لا يجوز له العود الي الميّت (1).

______________________________

المتوافقين بلا محذور؛ امّا الاستناد فالظاهر انّه بلا دليل اذ الحجيّة عبارة

عن التنجيز و التعذير امّا الأول فيكفي في تحقّقه وجود المنجز واقعا كما انّه معترف به فانّ الدليل لو كان في معرض الوصول ينجّز الواقع علي المكلّف و لو مع عدم العلم فكيف بالاستناد و امّا التعذير فهو أيضا كذلك إذ لو فرضنا انّ الحيّ و الميّت كان رأيهما خلافا للاحتياط كما لو افتيا بجواز شرب التتن و المكلّف يعلم بتماميّة الحجّة و شرب التتن بلا استناد لا يكون معاقبا بلا اشكال؛ و امّا لو افتيا علي وفق الاحتياط كما لو افتيا بوجوب السورة و المكلّف أتي بالسورة من باب الاحتياط لم يكن عليه شي ء.

نعم يمكن أن يقال: يترتّب الأثر و ظهوره في مورد و هو الاستناد إذ علي تقدير الجواز يجوز و علي تقدير عدم جواز البقاء لا يجوز؛ بيان ذلك انّ الدليل في مورد عدم المخالفة يشمل كلا الرّأيين كما ذكرنا و المفروض حجيّة الجميع فيجوز الاستناد الي كلّ من القولين فلو قلنا بجواز البقاء يجوز الاستناد و إن قلنا بعدم الجواز فلا يجوز الاستناد.

(1) الّذي يمكن أن يستدل به لما أفاده أمران:

الأوّل: انّ التقليد عبارة عن الالتزام فلو عدل الي الحيّ يكون عدوله الي الميّت تقليدا ابتدائيا و هو غير جائز و هذا انّما يتم علي مذهب المصنّف الذي يري التقليد عبارة عن الالتزام و علي ما هو التحقيق من انّ التقليد عبارة عن العمل لا يكون مجرّد الرجوع الي الحيّ و الالتزام بقوله عدولا فلا يصدق العدول فلا يكون الرجوع الي الميّت تقليدا ابتدائيا؛ الّا أن يقال بانّه يكفي في صدق العدول مجرّد

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 52

______________________________

الالتزام بقول الحيّ فيكون الرّجوع الي الميّت ابتدائيا

لكنّ الحقّ أنّ هذا كلّه بلا طائل فانّه لم يرد لفظ التقليد و كذلك لفظ العدول بما لهما من المعني تحت آية أو رواية كي يترتب علي صدقهما و عدمه اثر؛ لكنّ الحقّ انّه ورد عنوان التقليد في الحديث المروي في التفسير العسكري عليه السلام.

ثانيهما: انّ المقام مقام الاشتغال فانّه لو عدل عن الميّت الي الحيّ يكون قول الحيّ حجّة قطعا و امّا قول الميّت فمشكوك الحجيّة و الشك في الحجيّة يساوق القطع بعدمها فلا بدّ من تقليد الحيّ بحكم العقل.

و يرد عليه: انّه لو فرض انّ الميّت أعلم لا يكون الأمر كما ذكر فانّه لو لم يكن الامر بالعكس فلا أقلّ من التساوي كما انّه لو فرض التساوي بين الحيّ و الميّت في الفضيلة يتردّد الامر بينهما إذ الأدلّة بالتعارض تتساقط؛ فالحقّ أن يقال: ان العدول الي الحيّ أمّا يكون بوجه جائز و امّا لا يكون امّا علي الأوّل فلا يجوز العدول الي الميّت و امّا الثاني فيحرم البقاء بل يجب العدول الي الميّت فانّه لو فرض انّ الحي أعلم من الميّت يجب العدول اليه و امّا إن كان الميّت أعلم وجب البقاء و ذلك للسيرة غير المردوعة و أفاد الاستاد بانّه يجب العدول أيضا فيما يكون المقلّد ناسيا لفتوي الميّت و قد مرّ انّه غير صحيح هذا فيما يكون احدهما أعلم و أمّا لو كانا متساويين في الفضيلة فلا بدّ من العمل علي طبق احوط القولين كما مرّ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 53

[لا يجوز العدول عن الحيّ الي الحيّ الّا إذا كان الثاني أعلم]

(مسألة 11): لا يجوز العدول عن الحيّ الي الحيّ الّا إذا كان الثاني أعلم (1).

______________________________

(1) الّذي يكون مقتضي النظر الدقيق في المقام: أن يقال

انّه تارة يفرض الكلام مع عدم العلم بالمخالفة و أخري يفرض مع العلم بالمخالفة:

أمّا علي الأوّل: فلا مانع من البقاء كما انّه لا مانع من العدول إذ الدّليل اللّفظي يشمل كليهما و السيرة لا فرق في جريانها بالنسبة الي كلّ منهما؛ و ما ذكره في المستمسك من انّ مقتضي الأصل العقلي التعيين لا مجال له فانّه لا تصل النوبة اليه مع وجود الاطلاق و السيرة؛ مضافا الي انّه لا وجه لهذا الاحتمال نعم لو كان المعدول عنه اعلم لكان لهذا الاحتمال مجال كما انّه الامر كذلك فيما يكون المعدول اليه أعلم و فيما ذكرنا لا فرق بين صورة التساوي في الفضل و بين صورة رجحان أحدهما علي الآخر؛ و ملخّص الكلام انّه لا فرق بحسب الدليل من الاطلاق و السيرة بين هذين الفردين.

و أمّا علي الثاني: فلا يشمل قولهما الاطلاق بل يسقط بالمعارضة فلا بدّ من العمل علي طبق أحوط القولين الّا فيما يكون أحدهما أعلم فانّ مقتضي السيرة تعيّن الرجوع اليه؛ و أمّا مع فرض التساوي فلا دليل علي تعيّن أحدهما كما انّه لا دليل علي التخيير؛ و ربما يقال: بانّ جواز التخيير ثابت بالإجماع كما عن الشيخ دعواه و بالسيرة بتقريب انّ السيرة جارية علي تقليد المفتين و رجوع العامي الي الفقيه و لو مع العلم بالمخالفة بين الأقوال.

و فيما ذكر نقاش فنقول امّا الاطلاقات فهي ساقطة بالمعارضة و أما الاجماع فليس اجماعا تعبديا كاشفا و أما السيرة فلا يمكن اثباتها. اذ سيرة العقلاء ليست

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 54

______________________________

علي الرجوع الي العالم مع العلم بالخلاف و بعبارة اخري ان جواز التقليد و ان سلّم ان السيرة

جارية علي رجوع الجاهل الي العالم و لا نقاش في أصل المدّعي لكن بهذا النحو غير ثابتة فلا دليل علي التخيير لا في الأخبار العلاجية و لا في المقام اما في الأخبار العلاجية فلضعف السّند أو الدلالة و أما في المقام فلعدم الدليل و به عبارة اخري الحجية التخييرية يقع الكلام فيها تارة ثبوتا و اخري اثباتا أما ثبوتا فتارة نقول بانّ المعتبر الجامع بين القولين و هذا يرجع اما الي امر غير معقول و اما يرجع الي ما لا فائدة فيه إذ لو كان احد القولين مفاده الوجوب و مفاد الآخر التحريم كما لو قال احدهما بوجوب صلاة الجمعة و الاخر بحرمتها كيف يكون الحجة الجامع إذ المكلّف لا يخلو من احد الامرين اما الفعل و اما الترك فلا تتصور الحجية في مثله و لو كان مفاد أحد القولين الاباحة و الاخر الوجوب أو التحريم فالجامع قيام الحجة بين الوجوب و الحرمة أو الاباحة و مقتضي قيام مثلها الاحتياط إذ الشبهة حكمية و لو كان احد القولين وجوب أمر و الآخر وجوب امر آخر فمعني حجية الجامع قيام الدليل علي احد الامرين الالزاميين و مقتضاه الاحتياط بالجمع بين الامرين فانقدح بما ذكر انه لا معني للحجية التخييرية بهذا المعني أي الجامع و ان قلنا بان معناها عبارة عن حجية كل من القولين عند الالتزام بترك الآخر فيترتب عليه انه لو التزم بترك كليهما يكون كلاهما حجة و مرجعه الي التعبد بالمتناقضين مضافا الي ان توجيه التكليف الي من يكون تاركا أو فاعلا غير معقول و إن كان معناها كون الحجة ما اخذه المكلف و جعله مدركا له بان يترتب الحجية علي ما اختاره المكلف

فهو أمر قابل ثبوتا لكن العمدة انه لا دليل عليه في مقام الاثبات فظهر ان الحجية

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 55

______________________________

التخييرية اما امر غير يمكن ثبوتا أو امر قابل في مقام الثبوت لكن لا دليل عليه في مقام الاثبات فافهم و اغتنم.

هذا علي طبق ما سلكناه؛ و امّا علي القول المشهور من انّ مقتضي القاعدة عند التعارض التخيير فيقع الكلام في انّ هذا الخيار ابتدائي أو استمراري؟ نقل الاجماع أمران علي عدم الجواز أي التخيير ابتداء و نقل عن البعض الجواز.

و ما يمكن ان يستدلّ به للجواز أمران:

أحدهما: اطلاق الدليل و فيه انّ مقتضي الاطلاق التساقط فلا يبقي عند المعارضة اطلاق كي يؤخذ به و يقال انّ مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين أن يكون تقليدا ابتدائيا أو يكون عدولا عن الغير.

ثانيهما: الاستصحاب و هو استصحاب بقاء التخيير؛ و فيه ان الاستصحاب لا يجري في الأحكام الكليّة.

و استدلّ لعدم جواز العدول أيضا بالاستصحاب: بتقريب انّ قول المعدول عنه تعيّن في حقّ المقلّد بأخذ قوله و نشك في بقائه و نحكم بالبقاء بالاستصحاب؛ و يرد عليه: انّ الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلّي و بهذا البيان أيضا يمكن أن يشكل جريان الاستصحاب في الحجيّة؛ و بعبارة اخري: تارة يجري الاستصحاب في بقاء حجيّة قول المعدول عنه فلا يكون القول الآخر حجّة عليه و اخري يجري الاستصحاب في الحكم الفرعي و هو وجوب الاعتماد عليه و في كلا التقريبين يرد الاشكال و هو عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي.

و ممّا استدلّ به لعدم الجواز و حرمة العدول قاعدة الاشتغال و هي الأصل العقلي بتقريب انّه لو أخذ بقول المعدول عنه يكون معذرا

و غيره مشكوكا فيه؛ و إن

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 56

[يجب تقليد الأعلم مع الامكان علي الأحوط]

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الامكان علي الأحوط (1).

______________________________

شئت قلت: يدور الأمر بين مقطوع الحجيّة و مشكوكها و الشك في الحجيّة يساوق القطع بعدمها و الظاهر انّه وجه وجيه؛ فالحقّ انّ مقتضي التعارض التساقط و علي فرض الالتزام بالحجيّة التخييريّة تكون ابتدائية لا استمراريّة.

إن قلت: انّكم انكرتم تماميّة قاعدة الاشتغال و ما افدتم في المقام يناقض ذلك القول.

قلت: ليس الأمر كما توهّم إذ قد صرّحنا بانّ الشك في الحجيّة يساوق القطع بعدمها فالالتزام بعدم الحجيّة من باب القطع بعدمها لا من باب قاعدة الاشتغال.

(1) نفرض الكلام فيما يعلم بالخلاف فنقول: يقع هذا البحث تارة بالنسبة الي العامي الذي يريد أن يقلّد أحد الشخصين و اخري بالنسبة الي المجتهد الّذي يريد أن يفتي امّا العامي فبحكم العقل و تعين ما يحتمل كونه معيّنا عند الدوران يرجع الي الاعلم إذ الكلام فيما يعلم بالمخالفة بين القولين.

و أمّا المفتي: فيكون محلّ الخلاف بين القوم فبعض قائل بعدم وجوب تقليد الأعلم و جواز تقليد غير الأعلم و بعض قائل بالوجوب و لكلّ منهما وجوه أمّا القول الأوّل: فما يمكن أن يكون وجها له أمور:

الأوّل: اطلاقات الأدلّة بدعوي انّ القرينة الخارجيّة و العقليّة تقتضي شمولها لكلا القولين؛ امّا القرنية الخارجية فهي الغلبة أي غلبة اختلاف الأقوال و الآراء و مع ذلك ارجع الامام عليه السلام النّاس الي الفقهاء و الي اشخاص مخصوصين كأبان بن تغلب و امثاله مع اختلاف أقوالهم.

و امّا القرنية العقليّة: فهي انّ القانون الكلّي انّ الضرورة تقدّر بقدرها؛ و بعبارة اخري مقتضي الادلّة حجيّة قول كلّ منهما و حيث

لا يمكن الالتزام به فلا بدّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 57

______________________________

من الالتزام بحجيّة قول أحدهما كما انّ الأمر كذلك في كلّ دليل فانّه لو دلّ دليل علي وجوب شي ء و دلّ دليل آخر علي وجوب شي ء آخر و علمنا بعدم وجوب كليهما نرفع اليد عن الاطلاق و نلتزم بوجوب أحدهما و المقام أيضا كذلك.

و يرد عليه: انّ القياس مع الفارق فانّه لو كان لكلّ من الدّليلين نصّ و ظاهر و علمنا بعدم وجوب كلا الامرين نرفع اليد عن ظهور كلّ منهما في التّعين بنصّ الآخر في الأجزاء و هذا علي خلاف التحقيق علي ما بيّنا و في المقام بعد عدم امكان العمل بالدليل إذ له اطلاقان، اطلاق بالنسبة الي كلّ فرد و اطلاق بالنسبة الي الأخذ بالآخر و عدمه و انّ العمل به غير معقول فلا بدّ من التصرف فيه باحد أنحاء التصرّف بان نلتزم بواحد معيّن منهما و نطرح الآخر أو يكون ما أخذه المكلّف حجّة و اختاره منهما أو بنحو آخر و حيث انّه لا دليل في البين يكون مقتضي القاعدة التساقط و لذلك ذكرنا انّ الحجيّة التخييرية ممّا لا يكون عليها دليل و لا ترجع الي محصّل صحيح؛ و امّا الغلبة و إن كانت مسلّمة علي الفرض لكن المفيد للخصم صورة العلم بالخلاف و ليس الدليل واردا في خصوص صورة العلم بالخلاف.

الوجه الثاني: انّ تقليد الأعلم أمر حرجي فانّ تشخيص الأعلم حرج من حيث المفهوم و تمييزه خارجا أيضا حرج و تعلّم فتاويه أيضا حرج و الدّين سهل سمح.

و يرد عليه: أنّ الأعلم من حيث المفهوم أمر لا شبهة فيه فانّ من يكون أقوي استنباطا و

امتن تطبيقا و مسلكا يكون أعلم كبقيّة الحرف و الصنائع و تشخيصه الخارجي أيضا يمكن بالطرق العادية و تعلم فتاواه أيضا ممكن بالطرق المعهودة؛ مضافا الي انّ الكلام في صورة العلم بالخلاف و هذا يتّفق نادرا؛ اضف الي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 58

______________________________

ذلك كلّه انّه لو تمّ المدّعي أي يكون تشخيص الأعلم مشكلا فأين يحصل العلم بوجود الأعلم كي يتحقّق للبحث في مصداقه فانّ مقتضي الادّعاء المذكور عدم حصول العلم بوجود الأعلم فانّ المفهوم إذا كان غير معلوم فكيف يتحقّق مصداقه؟ الّا أن يقال: بانّه يكفي للإشكال العلم بوجوده أو احتمال وجوده علي ما له من المعني، نعم لو علم بوجود الأعلم و علم بكونه مخالفا في الرأي للآخر في مورد الابتلاء يلزم الأخذ باحوط القولين فيما لا يمكن الوصول الي الأعلم و أخذ فتواه و هذا المقدار لا يكون حرجا مسقطا للتكليف.

الوجه الثالث: سيرة المتشرّعة فانّها جارية علي رجوعهم الي فتوي ايّ شخص و لا يفحصون عن الأعلم؛ و الجواب انّه مع عدم العلم بالخلاف لا بحث و امّا مع العلم بالخلاف فلا نسلم؛ بل امّا يفحصون عن الأعلم و امّا يحتاطون نعم الّذين لا يبالون في أمر الدّين لا يكون فعلهم مورد أثر.

الوجه الرابع: انّ الأئمّة ارجعوا النّاس الي الرواة مع انّهم عليهم السلام موجودون فليس تقليد الأعلم واجبا و الجواب: انّ الكلام في فرض العلم بالخلاف و لا ندّعي انّ تقليد الأعلم واجب علي الاطلاق.

و استدلّ لوجوب تقليد الأعلم أيضا بوجوده:

الأوّل: انّ الادلّة اللفظية ساقطة بالمعارضة و دليل الانسداد تكون نتيجته مهملة و المهملة في قوّة الجزئية فالقدر المتيقّن حجيّة قول الأعلم؛ و امّا السيرة فهي

جارية عند العلم بالمخالفة علي تقليد الأعلم و هذا الوجه تامّ فانّه كما يثبت حجيّة قول المجتهد بالسيرة غير المردوعة كذلك يثبت تعين الأعلم عند العلم بالخلاف.

الثاني: الاجماع كما عن المحقّق و فيه: انّه اجماع منقول و لا يكون حجّة مضافا

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 59

______________________________

الي انّه محتمل المدرك و لا يكون معتبرا.

الثالث: الروايات و هي ما بين مخدوشة السّند و الدلالة و بين المخدوشة من حيث السّند فقط.

لاحظ ما رواه عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي أن قال: فان كان كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا النّاظرين في حقّهما و اختلف فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم؟ [حديثنا] فقال: الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما في الحديث و أورعهما؛ و لا يلتفت الي ما يحكم به الآخر قال: فقلت: فانّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل [ليس يتفاضل] واحد منهما علي صاحبه؟ قال: فقال: ينظر الي ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه- الي أن قال: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنّة و خالف العامّة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنّة و وافق العامّة؛ قلت: جعلت فداك ان رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنّة و وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة

و الآخر مخالفا لهم بايّ الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد؛ فقلت: جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا؟ قال: ينظر الي ما هم اليه أميل حكّامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالاخر؛ قلت: فان وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتّي تلقي امامك فانّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 60

______________________________

الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات «1» فانّ السند مخدوش بعمر و الحديث وارد في موضوع القضاء.

و ما عن نهج البلاغة في عهده عليه السلام الي مالك؛ من قوله: اختر للحكم بين الناس افضل رعيّتك؛ «2» فانّه مضافا الي ما في سنده وارد في موضوع القضاء و فصل الخصومة؛ و ما في السفينة: قال الصادق عليه السلام من دعا الناس الي نفسه و فيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضالّ «3».

و لاحظ ما روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم: من تعلّم علما ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يعرف به الناس الي نفسه يقول: أنا رئيسكم فليتبوّأ مقعده من النار؛ انّ الرئاسة لا تصلح الّا لأهلها فمن دعي الناس الي نفسه و فيهم من هو اعلم منه لم ينظر اللّه اليه يوم القيامة «4»، و لاحظ ما روي عن الجواد عليه السلام: مخاطبا لعمّه؛ يا عمّ انّه عظيم عند اللّه ان تقف غدا بين يديه فيقول لك: لم تفتي عبادي بما لم تعلم؛ و في الامّة من هو أعلم منك «5»، فانّها مراسيل و لا اعتبار بها مضافا الي انّه في الخبر الاخير ورد لفظ (بما لم تعلم) و هذا أمر آخر لا ربط له بما

نحن فيه.

الرابع: انّ اعتبار قول الفقيه من باب الطريقيّة و قول الأعلم أقرب الي الواقع.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

(2) شرح نهج البلاغة لفيض الإسلام: ج 5 ص 1009.

(3) سفينة البحار: ج 2 ص 220.

(4) بحار الأنوار: ج 2 ص 110، الحديث 16.

(5) بحار الأنوار: ج 50 ص 100، الحديث 12.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 61

______________________________

و أورد عليه الاستاد بانّ ما ورد من العناوين عبارة عن الفقيه و امثاله و لم يعلم انّ الملاك الاقربيّة هذا مضافا الي انّ الاقربيّة الطبعية لا اثر لها و الفعليّة ربما تكون في قول غير الأعلم؛ و يرد عليه: انّ الاطلاقات لا اثر لها كما هو المفروض لتساقطها.

و امّا السيرة: فالحقّ انّ الملاك هو القرب و لذا يشكل الامر فيما يكون قول غير الأعلم مطابقا لمن يكون اعلم من الأعلم و لو من الاموات.

الخامس: ما افاده المحقّق الاصفهاني قدّس سرّه و هو انّ غير الأعلم جاهل بالنسبة الي من هو أعلم منه اذ المفروض عدم واجديّته لما يكون الأعلم واجدا له.

و الجواب: انّه يكفي ما يكون واجدا و لذا يجوز تقليده لو خلّي و طبعه غاية ما في الباب انّ ذلك الآخر اعلم و افضل، ثمّ انّه لو شك في التعيين و التخيير بين الأعلم و غيره فربما يقال بوجوب تقليد الأعلم و تعيّنه بمقتضي قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب.

و ربما يقال باستصحاب حجيّة قول غير الأعلم و يجاب عنه: بعدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي؛ هذا كلّه فيما علم بالاختلاف و امّا فيما علم بالموافقة فيكون كلّ من القولين حجّة و قد مرّ انّه لا يلزم الاستناد.

و امّا لو

شك فبمقتضي الأصل العملي يكون المتعين تقليد الأعلم لقاعدة الاشتغال و بمقتضي الادلّة فربما يستدلّ لعدم الجواز بما تقدّم من الادلّة و قد مرّ الجواب عنها؛ مضافا الي انّه لا يتمّ تلك التقريبات في صورة عدم العلم بالمخالفة.

و ربما يستدل للجواز بالاطلاقات و قد خرج عنها صورة العلم بالخلاف إن قلت: لو سلّم انّه خرج صورة الخلاف فلو شكّ في الخلاف يكون الأخذ من الأخذ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 62

و يجب الفحص عنه (1).

______________________________

بالدّليل في الشبهة المصداقيّة.

قلت: يمكن احراز الفردية باستصحاب عدم الخلاف و لو بالنحو الازلي.

و في كلام الاستاد انّه يمكن ان يكون نعتيا إذ قبل التعلّم لم يكن فرق بين قوليهما و الأصل كذلك؛ لكن يشكل بانّ الموضوع عبارة عن العالم و الأعلم و بهذا الوصف لا يكون الأصل النعتي جاريا.

و يمكن أن يقال: بانّه لا يتصوّر في المقام شبهة مصداقيّة فانّه امّا يعلم بالخلاف و امّا لا يعلم امّا الثاني فالدليل شامل له و امّا الاوّل فالشبهة في كونه من أفراد المخصّص؛ و الحاصل انّ للمقام خصوصيّة ليست كبقيّة الموارد و لذا لا يتوجّه ما في كلام الاستاد من انّ حلّ الاشكال بالاستصحاب لا بانّ التخصيص عقلي و الاشكال في مورد يكون المخصّص لبّيا إذ لا فرق بين المقامين فانّ المخصّص اللبي يوجب تعنون العام كما يوجب المخصّص اللّفظي و مع التعنون يصدق الشبهة و لا يعقل عدم تعنونه فانّ الاهمال غير معقول في الواقع و عليه امّا مطلق و امّا مقيّد و بما ذكرنا علم انّ ما افاده مسلّم و لكن مع ذلك لا يتوجّه الاشكال إذ لا يتصوّر الشك في المصداق بل امّا معلوم

الوجود و امّا يعلم بعدمه.

(1) لا يخفي انّ هذا الوجوب ليس وجوبا شرعيّا بل وجوب عقليّ للظفر بما يكون حجّة و معذّرا و لذا لو احتاط بالجمع بين القولين لا يجب عليه.

و ملخّص الكلام انّه مع العلم بكون احدهما اعلم أمّا يكون عالما بالموافقة فلا اشكال في التقليد كما مرّ و امّا يشك ففي هذه الصورة فمضافا الي ما تقدّم من عدم تصوير الشبهة المصداقيّة في المقام؛ ينفي الخلاف بالأصل.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 63

______________________________

إن قلت: كيف يجري الأصل و يؤخذ بالعام مع انّ الميزان عدم الأخذ بالعام الّا بعد الفحص عن المنافي له من المقيّد و الحاكم و غيرهما؟

قلت: هذا مخصوص بالشبهة الحكميّة لا مثل المقام الذي يكون من الشبهة الموضوعيّة و الوجه في لزوم الفحص فيما يكون الشك في الحكم انّا نعلم انّ ديدن المولي بيان القرائن منفصلا و مع العلم بديدن المولي ليس بناء العقلاء علي الأخذ بالعام الّا بعد الفحص و أيضا لنا علم اجمالي بانّ للمولي قرائن لأحكامه و مع العلم الإجمالي لا يمكن الأخذ بالعموم و الاطلاق و شي ء منهما ليس في المقام امّا الأوّل فلأنّه ليس قول احد العالمين قرينة للقول الآخر كما هو واضح و امّا الثاني: فلأنّ المفروض عدم العلم بالخلاف بين القولين و لو فرض العلم بالخلاف لا يكون علم به بالنسبة الي موارد الابتلاء؛ فالفحص مخصوص بصورة العلم بالخلاف.

فنقول: لو شخص الأعلم فهو و الّا لا يلزم الفحص في صورة الاحتياط كما هو ظاهر و في هذه الصورة لا اثر للظن بكون احدهما المعيّن اعلم من غيره إذ الواقع منجّز فلا بدّ امّا من الاحتياط و امّا من

تحصيل الحجّة و امّا مع عدم امكان الاحتياط و عدم تميز الاعلم فيأخذ بما ظنّ انّه أعلم لأنّ المفروض انّ الاحتياط غير ممكن و لا بدّ من العمل باحدهما؛ هذا ما أفاده الاستاد.

و يرد عليه: انّه يمكن أن يقال: بانّ مقتضي القاعدة التخيير لدوران الامر بين المحذورين و عدم امكان الاحتياط و لا دليل علي حجيّة قول احدهما لتساقط الاطلاقات؛ الّا أن يقال بالقطع بالحجيّة بالنسبة الي احدهما غاية الأمر مردّد بين الشخصين؛ و امّا لو علم بالاختلاف و لم يعلم كونه احدهما اعلم فالكلام هو الكلام.

إن قلت: مع الشك في الأعلميّة يستصحب عدمها.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 64

[إذ كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما]

(مسألة 13): إذ كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما الّا إذا كان أحدهما أورع فيختار الأورع (1).

______________________________

قلت: هذا الاستصحاب مثبت مضافا الي انّه معارض بمثله؛ و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة انّه لا مانع عن جريان استصحاب عدم الاعلميّة إذ الموجب للتعيّن الاعلميّة و مع الحكم بعدمها بالاصل و عدم امكان الاحتياط يكون المكلّف مخيّرا؛ و الحاصل انّ المانع عن التخيير الاعلميّة و مع عدمها لا مانع منه.

(1) في هذه المسألة أمران:

الأول: الخيار بين القولين في المتساويين.

الثاني: ترجيح الأورع؛ و كلّ من الأمرين محلّ الاشكال؛ فانّه لا دليل علي الخيار في هذه الصورة إذ الدليل اللّفظي لا يشمل و لا سيرة و الاجماع المدّعي قد عرفت ما فيه؛ فالحقّ هو الأخذ بأحوط القولين إذ لا تتحقّق البراءة الّا بالاحتياط؛ و لذا لو كانت المسألة ذات ثلاث احتمالات؛ لا بدّ من الاحتياط التامّ و لا أثر للقولين في نفي الثالث.

اللهمّ الّا أن يقال بعد الاتيان باحد الاطراف لا

مانع عن جريان الاصل في الباقي منها لعدم التعارض و هذا لا يمكن للعامي إذ عدم تنجيز العلم الإجمالي مطلقا و الالتزام بالتبعيض بنفسه يتوقّف علي الاجتهاد.

و امّا الثاني: فالأمر كذلك فانّه لا دليل علي كون الأورعيّة مرجحة و إن نسب الي شيخنا الأنصاري قدّس سرّه تقويته و استظهار كونه مشهورا و نقل عن المحقّق الثاني قدّس سرّه الاجماع عليه و امّا الاستدلال بالمقبولة فقد عرفت ما فيه من الاشكال السندي و كونها في موضوع القضاء.

و امّا الأصل العقلي فلا مجال له فانّ الاصل فرع الخيار و هو اوّل الكلام في

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 65

[إذا لم يكن للأعلم فتوي في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم]

(مسألة 14): إذا لم يكن للأعلم فتوي في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم و إن أمكن الاحتياط (1).

______________________________

المقام؛ و هذا هو عمدة الاشكال؛ و امّا ما عن المحقّق الاصفهاني قدّس سرّه من انّه لا قوّة في الأورعيّة و لا يكون الملاك به أقوي؛ لا يرجع الي محصّل فإنّه يحتمل كونه حجّة بالخصوص بخلاف غير الأورع؛ و لا فرق فيما ذكرنا من لزوم الأخذ بالاحتياط بين كون الورع في الاستنباط و الورع في الفتوي بعد احراز ما هو شرط في كلا المقامين.

و لا يخفي: انّ ما ذكرناه انّما هو في صورة العلم باختلافهما في الفتوي و امّا مع عدم العلم بالمخالفة فلا اشكال في جواز تقليد كلّ منهما كما تقدّم بيانه.

(1) و الوجه فيه ظاهر إذ لا معارضة؛ و لا يخفي انّ ما ذكرناه انّما يتمّ في صورة عدم العلم بالمخالفة بين الباقين و الّا يلزم الاحتياط الّا في صورة كون بعض الباقين اعلم من غيره.

الغاية القصوي في

التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 66

[اذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء علي تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء علي تقليده في هذه المسألة]

(مسألة 15): اذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء علي تقليد الميت فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء علي تقليده في هذه المسألة بل يجب الرجوع الي الحي الأعلم في جواز البقاء و عدمه (1).

______________________________

(1) فان جواز البقاء يتوقف علي اعتبار قوله بعد موته و اعتبار قوله يتوقف علي جواز البقاء بعد الموت و هذا دور و بتقريب آخر: ان جواز البقاء علي تقليد الميت و عدمه كسائر المسائل يجب فيها التقليد كبقية المسائل و بعد فوت المجتهد يشك في حجية فتاويه فلا بد من الرجوع الي الحي الأعلم لحجية قوله علي كل حال.

و يرد عليه أولا: انّ اعتبار قول الحي يتوقف علي سقوط رأي الميت عن الاعتبار بعد موته و سقوطه يتوقف علي اعتبار قول الحي بعد موت المجتهد الميت و هذا دور.

و ثانيا: انّ الشخص العامي كيف يمكنه الاستدلال إذ المفروض انه جاهل و يحتمل اعتبار قول الميت في حقه بعد موته كما انه يحتمل سقوطه و اعتبار قول الأعلم من الأحياء و مع احتمال كلا الطرفين كيف يمكن ان يقال: ان حجية قول الحي الأعلم أمر مقطوع به علي كل حال نعم لو جوز الميت البقاء أو أوجبه و الحي الأعلم جوز البقاء أو أوجبه لا يبقي العامي متحيرا إذ يعلم بأن تقليده من الميت بقاء لا اشكال فيه قطعا لتوافق كلا المجتهدين علي عدم البأس في البقاء كما انه لو جوز الميت العدول الي الحي أو أوجبه و كذلك الحي الأعلم جوز العدول أو أوجبه لا يبقي المكلف متحيرا.

و الذي يختلج بالبال: ان يقال: المكلف أما يعلم بالمخالفة في الرأي بين الميت الأعلم

و الأعلم من الأحياء أو لا يعلم بالمخالفة أما في الصورة الثانية فيجوز له البقاء علي رأي الميت كما يجوز له الرجوع الي الحي إذ قد مر منا ان أدلة جواز

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 67

______________________________

التقليد من النصوص لا تقصر عن شمول الميت كالحي و كذلك السيرة العقلائية لا تقصر عن الشمول و علي فرض تسليم قيام الضرورة علي بطلان تقليد الميت ابتداء لا نسلم قيامها علي بطلان البقاء كما هو المفروض في المقام فالنتيجة انه لا فرق بين الحي و الميت غاية الأمر ان العامي لجهله بالموازين العلمية لا يشخص الحجة و يكون متحيرا و لا يمكنه الجزم باعتبار قول الحي دون الميت و لكن الصناعة تقتضي التسوية بين الميت و الحي و حيث ان نفس هذه المسألة محل الخلاف بين الأعلام لا سبيل للعامي الا الأخذ بالاحتياط و أما مع العلم بالاختلاف في الفتوي فالقاعدة تقتضي البقاء علي تقليد الميت لكونه أعلم و مقتضي السيرة تعين الأخذ بقول الأعلم مع العلم بالاختلاف بلا فرق بين الميت و الحي هذا ما يختلج بالبال عاجلا.

و أما لو قلنا بأن اعتبار قول الميت محل الترديد و قول الحي الأعلم حجة قطعا فلا ريب في وجوب الرجوع الي الحي الأعلم و يجب العمل بمقتضي قوله في كل فرع و من جملة الفروع مسألة جواز البقاء و عدمه فلو قلد الميت في هذه المسألة فلا اشكال في عدم جواز البقاء برأيه لما تقدم لكن الكلام في انّ هذه المسألة كبقية المسائل أو أن لها خصوصية فنقول: لا اشكال في وجوب الرجوع الي الحي في نفس هذه المسألة لسقوط رأي الميت عن الاعتبار

بموته فإذا أفتي بحرمة البقاء لم يجز البقاء علي تقليد الميت.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه يتصور في المقام صور:

الصورة الأولي: أن يفتي الميت بالجواز و الحي بالحرمة.

الصورة الثانية: أن يفتي الميت بالحرمة و الحي كذلك.

الصورة الثالثة: أن يفتي الميت بالوجوب و الحي بالحرمة فانه يحرم البقاء

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 68

______________________________

في جميع هذه الصور الثلاث إذ بعد فرض تعين الرجوع الي الحي لا يبقي اشكال في حرمة البقاء كما هو ظاهر بأدني تأمل.

الصورة الرابعة: أن يفتي كلاهما بالجواز و في هذه الصورة لا اشكال في جواز البقاء في ساير المسائل علي تقليد الميت استنادا الي فتوي الحي به و هل يجوز البقاء علي تقليد الميت في فتواه بالجواز من جهة فتوي الحي بذلك و بعبارة أخري هل يشمل فتوي الحي بالجواز فتوي الميت لجواز البقاء؟ ربما يقال بالمنع لوجهين:

الأول: لزوم اللغوية و بتعبير آخر يكون من تحصيل الحاصل إذ المفروض انّ الحي يجوز البقاء فباستناد فتوي الحي يبقي علي تقليد الميت في بقية المسائل بلا احتياج الي تقليد الميت في جواز البقاء.

و يمكن أن يجاب عن اشكال لزوم اللغوية بأنه قد يفرض موضوع جواز البقاء متحدا في نظر الحي و الميت و لا يختلفان فيه كما لو كان نظرهما في جواز البقاء منوطا بالتعلم و الالتزام ففي مثل الفرض لا يجوز تقليد الميت في جواز البقاء باعتبار قول الحي لان نتيجة ذلك اعتبار بقية فتاوي الميت للمقلد و قد فرضنا انها معتبرة له بفتوي الحي بجواز البقاء فيكون من تحصيل الحاصل، و قد يفرض ان موضوع جواز البقاء بنظر الميت أوسع من نظر الحي بأن يقول الميت يكفي

في البقاء الالتزام بالعمل و إن لم يتعلم و الحي يقول باشتراط التعلم في جواز البقاء فاذا تعلم المكلف فتوي الميت بجواز البقاء يمكن أن يبقي علي تقليد الميت بفتوي الحي بجواز البقاء و بعد بقائه علي تقليده يقلده في بقية المسائل التي لم يتعلمها و هذا ظاهر فيما إذا كان اعتبار التعلم بنظر الحي من باب القدر المتيقن و عدم جزمه بالجواز و عدمه في صورة عدم التعلم و اما لو جزم بذلك و افتي بعدم الجواز في صورة عدم التعلم فربما

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 69

______________________________

يقال: بعدم جواز الرجوع الي الميت بالنسبة الي المسائل التي لم يتعلمها إذ المفروض انّ الحي قد حرم البقاء فيها و لكن يمكن ان يقال بجوازه إذ المفروض انّ المكلف تعلم مسألة جواز البقاء عن الميت و المفروض انّ الحي يجوز البقاء فيما تعلم فيبقي علي تقليد الميت في مسألة البقاء بفتوي الحي و يقلّد الميت في بقية المسائل فلاحظ.

الثاني: أنه لا يمكن أن يؤخذ الحكم في موضوع نفسه فلا يمكن أن يؤخذ جواز البقاء علي تقليد الميت في موضوع جواز البقاء فان رتبة الموضوع مقدم علي الحكم و معني أخذ الحكم في موضوع نفسه فرض الحكم موجودا و محققا حين جعله و هذا خلف.

و الجواب عن هذه الشبهة: انّ المحذور انما في جعل الموضوع شخص الحكم فانه لا يعقل أخذ شخص الحكم في موضوعه و أما أخذ حكم في موضوع حكم آخر فلا محذور فيه فاذا فرضنا ان الميت أفتي بوجوب صلاة الجمعة و أفتي بجواز البقاء و أفتي الحي أيضا بجواز البقاء فيترتب علي فتوي الحي بجواز البقاء اعتبار قول

الميت في جواز البقاء و باعتبار قوله في جواز البقاء يعتبر فتواه بوجوب صلاة الجمعة فلا محذور.

الصورة الخامسة: أن يفتي كل من الميت و الحي بوجوب البقاء و يظهر حكم هذه الصورة مما مر في الصورة الرابعة فان فرضنا الاتحاد بينهما في موضوع وجوب البقاء أو اختلفا لكن دائرة الموضوع عند الحي أوسع كان البقاء في مسألة البقاء لغوا بل يقلد الحي ابتداء في مسألة البقاء في بقية المسائل و إن كانت دائرة الموضوع عند الميت أوسع و قد تحقق الموضوع بنظر الحي بالنسبة الي مسألة البقاء جاز للمقلدان يبقي علي فتوي الميت في بقية المسائل بتقليد الميت في وجوب البقاء

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 70

______________________________

استنادا الي فتوي الحي بوجوب البقاء في مسألة البقاء فلاحظ.

الصورة السادسة: أن يفتي الميت بجواز البقاء و الحي يفتي بوجوبه فربما يقال: بأنه لا يمكن شمول فتوي الحي بالوجوب لفتوي الميت بالجواز لأنّ مقتضي فتواه بالوجوب تعين قول الميت و مرجع فتوي الميت بالجواز تخيير المكلف فلو فرض شمول قول الحي لفتوي الميت في جواز البقاء يكون مرجعه الي التناقض أي يجوز الرجوع الي الحي و يجب البقاء علي قول الميت.

و يمكن دفع الاشكال باختلاف الموضوع في جواز البقاء و وجوبه مثلا إذا كان الحي قائلا بالوجوب مع التعلم و الميت قائلا بالجواز مع الالتزام و المقلد تعلم عن الميت مسألة البقاء و التزم في بقية المسائل يجب البقاء علي تقليد الميت بفتوي الحي في مسألة البقاء و بفتوي الميت بالجواز يجوز له البقاء في بقية المسائل كما أنه يجوز له الرجوع الي الحي.

الصورة السابعة: ما اذا بني الحي علي الجواز البقاء و أفتي

الميت بوجوبه فهل يجوز للمقلد أن يرجع الي الميت في مسألة وجوب البقاء كي يبقي وجوبا علي تقليده في بقية المسائل؟ أو انّ المقلد إذا رجع في وجوب البقاء لم يجب عليه البقاء في بقية المسائل بل يجوز له الرجوع الي الحي و لعل الصحيح أن يقال: ان فتوي الحي بجواز البقاء علي تقليد الميت و جواز العدول عنه إن كان المراد منه التخيير الابتدائي بأنه يجوز له العدول كما يجوز البقاء لكن بعد الأخذ بأحد الطرفين يجب عليه بنحو التعين فلو رجع الي الميت في وجوب البقاء يتعين عليه و يجب عليه فليس للمقلد بعد الأخذ بفتوي الميت في مسألة البقاء بعد تحقق موضوع التقليد فيه ان يعدل الي الحي لان فتوي الميت بالبقاء بعد الأخذ بها تعينت في حقه فيجب عليه البقاء في

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 71

______________________________

بقية المسائل و أما إن كان المراد بالجواز حدوثا و بقاء بحيث لا يتعين عليه أحد الطرفين بالأخذ فيجوز له أن يرجع الي فتوي الميت في وجوب البقاء و يبقي في بقية المسائل كما أنه يجوز له العدول و تقليد الحي و الظاهر هو الثاني لعدم الدليل علي التعين بعد الأخذ لكن لا بد من النظر في دليل الجواز و التخيير و الذي يهون الخطب انه لا دليل علي التخيير مع العلم بالاختلاف بل يجب البقاء علي تقدير كون الميت أعلم و الي الحي إن كان أعلم و يجب الاحتياط في صورة التساوي و عدم التفاضل بينهما أو الشك في التفاضل و عدمه.

الصورة الثامنة: أن يفتي الميت بحرمة البقاء و الحي يفتي بالجواز و فرضنا انه تحقق التقليد عن الميت

في مسألة البقاء فيقع الكلام في انّ فتوي الحي بجواز البقاء هل تشمل نفس مسألة البقاء أو لا تشملها الحق هو الثاني و السر فيه ان قول الميت قد سقط عن الاعتبار بموته و لا اعتبار الّا بقول الحي و قول الحي لا يمكن أن يوجب اعتبار قوله في فتواه بحرمة البقاء إذ يلزم من وجوده العدم و ما يلزم من وجوده العدم محال بيان ذلك أن قول الحي بجواز البقاء يوجب اعتبار أقوال الميت و فتاواه و من جملة فتاواه فتواه بحرمة البقاء فيلزم من جواز البقاء في فتواه بالحرمة سقوط فتواه إذ المفروض انّ الميت يحرم البقاء و يري رأي الميت ساقطا عن الاعتبار فاعتبار قول الميت بشمول قول الحي اياه و بعد الشمول و الاعتبار يسقط عن الاعتبار و هذا معني ما يلزم من وجوده العدم المحال و اما بقية المسائل فليس في البقاء عليها برأي الحي هذا المحذور علي أنا نعلم تفصيلا بعدم شمول رأي الحي في جواز البقاء لقول الميت في حرمة البقاء و ذلك لأنّ البقاء علي قول الميت أما جائز في الواقع و أما حرام و لا ثالث أما علي الأول فقول الميت بالحرمة مخالف للواقع و أما

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 72

[عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل]

(مسألة 16): عمل الجاهل المقصّر الملتفت باطل و إن كان مطابقا للواقع و امّا الجاهل القاصر أو المقصّر الّذي كان غافلا حين العمل و حصل منه قصد القربة فإن كان مطابقا لفتوي المجتهد الذي قلّده بعد ذلك كان صحيحا و الأحوط مع ذلك مطابقته لفتوي المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل (1).

______________________________

علي الثاني فقول الحي بالجواز باطل

فيعلم تفصيلا بعدم حجية قول الميت في حرمة البقاء. و بعبارة أخري إن كان البقاء جائزا فقول الميت باطل و إن كان حراما فقول الحي كذلك فلا يمكن جعل الاعتبار لقول الميت بقول الحي علي كلا التقديرين فالنتيجة ان فتوي الحي بجواز البقاء لا تشمل فتوي الميت بحرمة البقاء و أما شمولها لبقية المسائل فلا مانع منه مع تحقق موضوع التقليد.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع تارة في استحقاق العقاب و اخري في الصحّة و البطلان.

أمّا المقام الأوّل: فنقول لا شبهة في انّ القاصر لا يكون مستحقا للعقاب أعمّ من أن يكون عمله مطابقا للواقع أم لا و اعمّ من أن يكون عمله مطابقا لفتوي من يكون وظيفته الرجوع اليه أو لم يكن و ذلك لأنّ المفروض أنّه قاصر و القصور ينافي بذاته استحقاق العقاب.

و امّا الجاهل المقصّر: فإذا كان عمله مخالفا للواقع يكون معاقبا بلا فرق بين أن يكون عمله بلا تقليد و استناد الي حجّة ظاهريّة و بين الاستناد الي من لا يكون وظيفته الرجوع اليه و امّا إن كان مطابقا للواقع فإن كان حال العمل ملتفتا يستحقّ العقاب أيضا إذ عدم التصدّي لتحصيل الوظيفة بنفسه تجرّ علي المولي و لذا لو كان موافقا لفتوي من يكون وظيفته الرجوع اليه يكون مستحقّا بعين الملاك و إن لم يكن

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 73

______________________________

ملتفتا حين العمل فيظهر من كلام الاستاد انّه لا يستحقّ العقاب في هذه الصورة و لكنّ الحقّ خلافه إذ المفروض انّه مقصّر و لم يتصدي للظفر علي الحجّة و هذا بنفسه تجرّ علي المولي و الحقّ انّ العقاب علي التجري و سيّدنا الاستاد بني علي

هذا المبني في مبحث التجري.

و أمّا المقام الثاني: فأفاد المصنّف قدّس سرّه بأنّ عمله فاسد و لا يخفي انّ هذا الكلام انّما يجري فيما يترتّب عليه أثر عملي من الاعادة و القضاء و النجاسة و البطلان و امّا لو لم يكن ذا أثر فلا موضوع لهذا البحث و الظاهر بقرينة ذيل الكلام انّ المصنف قدّس سرّه انّما حكم بالبطلان لأنّ المقصّر لا يمكن أن يتمشّي منه قصد القربة؛ فنقول هذا الملاك مختصّ بالعبادة و في غيرها لا مجال له إذ المفروض انّه غير مشروط بالقربة.

و امّا العبادة: فإن كانت مطابقة للواقع و تمشّي منه قصد القربة؟ فلا وجه للبطلان و الحقّ انّ المقصّر يمكنه قصد القربة أي يأتي بالعمل رجاء فيكون صحيحا؛ نعم في مقام الظاهر لا يترتّب عليه أثر إذ قاعدة الاشتغال يقتضي الفساد كما انّ الاستصحاب كذلك و عدم الاكتفاء بما أتي به؛ نعم نقل عن الرضيّ و المرتضي دعوي الاجماع علي بطلان عبادة الجاهل المقصّر و قد حقّق في الأصول عدم حجيّة الاجماع المنقول و المحصّل منه غير حاصل فانّه من الممكن استناد المجمعين الي اشتراط الجزم أو انّ الجاهل لا تتمشّي منه قصد القربة ففيما كان العمل مطابقا للواقع يكون صحيحا و يترتّب عليه آثار الصحّة بلا فرق بين المقصّر و القاصر و امّا لو خالف الواقع فامّا يدلّ دليل علي اجزاء ما أتي به و إن كان مخالفا للواقع و امّا لا يكون في البين دليل؛ امّا علي الأوّل فلا يجب القضاء و لا الاعادة كما تدلّ علي صحّة الصلاة قاعدة لا تعاد في كثير من الموارد.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 74

______________________________

نعم يشكل شمول

القاعدة للجاهل المقصّر الملتفت حين العمل إذ المستفاد من حديث لا تعاد انّ انكشاف الخلاف يوجب وجوب الاعادة لعدم دليل علي اجزاء الفاقد للجزء أو الشرط ففيما يتوجّه اليه خطاب وجوب الاعادة، القاعدة تقتضي عدمها؛ و امّا فيما يكون مقتضي القاعدة الاعادة حتّي في وقت العمل و في زمان الاتيان؛ فالقاعدة لا تشمل و الّا فلا بدّ من الالتزام بشمولها للعامد أيضا و إن شئت قلت: انّ دليل القاعدة منصرف عن مثل الجاهل المقصّر الملتفت حين العمل؛ و كيف كان الانكشاف إن كان بعلم وجداني فظاهر و إن كان بملاحظة الحجيّة و قول المجتهد فإن كان من يكون وظيفته الرجوع اليه في ذلك الوقت و الحال يكون المرجع واحدا فلا كلام و إذا كان المرجع شخصين فإن كان رأيهما واحدا فأيضا لا كلام و إن كانا مختلفين فما هو مقتضي القاعدة؟ الظاهر انّ المناط بالحجّة الفعليّة إذ الحقّ انّ الأحكام الواقعيّة محفوظة و القول بالسببيّة في الامارات غير مقبول عندنا و ما يكون متوجّها الي المكلّف من التكاليف في الحال لا بدّ أن يرجع الي المجتهد الفعلي؛ فالقول قوله مثلا لو قال يجب الاعادة تجب و المطابقة للمجتهد الذي كان وظيفته تقليده في ذلك الزمان ليس مناطا كما هو ظاهر.

و ممّا ذكرنا يظهر في كلام المصنّف قدّس سرّه الذي افاده في المتن، (و الأحوط مع ذلك لمطابقته لفتوي المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل) و الذي يهوّن الخطب انّ احتياطه استحبابيّ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 75

[المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد و المدارك]

(مسألة 17): المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد و المدارك للمسألة و أكثر اطّلاعا لنظائرها و للأخبار و أجود فهما

للأخبار و الحاصل أن يكون أجود استنباطا و المرجع في تعيينه أهل الخبرة و الاستنباط (1).

[الأحوط عدم تقليد المفضول]

(مسألة 18): الأحوط عدم تقليد المفضول حتّي في المسألة التي توافق فتواه فتوي الأفضل (2).

______________________________

(1) لا يخفي: انّه لم يرد هذا اللفظ بماله من المعني تحت دليل من آية أو رواية فلا مدخليّة لكثرة العلم؛ و بعبارة اخري: لا أثر لكثرة المعلومات كما انّه لا اعتبار بشدّة الاعتقاد بالواقع و ضعفه إذ الميزان بالحجج و أيضا لا اعتبار بمن يسلك مسلكا لا يجوز سلوكه كما لو استنبط من طريق الرّمل و إن كان معذورا لبساطته بل الميزان في الأعلميّة في المقام كون الشخص أجود استنباطا و اشدّ تسلطا علي تطبيق الكلّيات علي الصغريات و ادقّ نظرا و اشدّ تنبّها للأمور الدخيلة في الاستنباط كما انّ الأمر كذلك في الأعلم في سائر الحرف و الصناعات و يمكن تحقق هذا المعني في جملة من المباحث دون غيرها مثلا يمكن أن يكون شخص أعلم من غيره في باب المعاملات و يكون المفضول افضل منه في باب العبادات و هكذا؛ و أهل الخبرة يميزون الاعلم من غيره و لا يلزم أن يكون الخبير من أهل الاستنباط.

(2) لا وجه لهذا الاحتياط و قد مرّ انّ مقتضي السيرة الرجوع الي العالم و العارف و لذا يجوز الرجوع الي كلّ من العالم و الأعلم في صورة عدم العلم بالمخالفة فكيف بصورة الموافقة فانّ الادلّة بالنسبة الي كليهما سيّان.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 76

[لا يجوز تقليد غير المجتهد]

(مسألة 19): لا يجوز تقليد غير المجتهد و إن كان من أهل العلم كما أنّه يجب علي غير المجتهد التقليد و إن كان من أهل العلم (1).

[يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني و بشهادة عدلين و بالشياع]

(مسألة 20): يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني كما إذا كان المقلّد من أهل الخبرة و علم باجتهاد شخص و كذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة (2).

______________________________

(1) ما أفاده في كلا الفرعين واضح و قد مرّ الوجه فيهما فانّ العالم لو لم يكن مجتهدا لا معني لتقليده إذ هو جاهل و ليس فيه مناط التبعية علي الفرض فيكون من رجوع الجاهل الي مثله و يتّضح هذا فيما لو كان ذلك العالم بنفسه متوجّها الي هذه الجهة كما انّ العالم إذا لم يكن مجتهدا يجب عليه التقليد أو الاحتياط؛ بل قد مرّ منّا خلافا لسيّدنا الاستاد انّ من له ملكة الاستنباط إذا لم يستنبط بعد يجوز له التقليد بمقتضي السيرة بل لا يبعد شمول الدليل اللّفظي له أيضا.

(2) لو عرف اجتهاد شخص بالعلم الوجداني يترتّب عليه آثاره لأنّه حجّة ذاتيّة و لا يلزم أن يكون العالم من أهل الخبرة فانّ العلم حجّة علي الاطلاق بل كذلك الاطمينان العقلائي المعبّر عنه بالعلم العادي فانّه و إن لم يكن حجّة عقليّة لاحتمال الخلاف فيه لكن حجّة في نظر العقلاء و امضاه الشارع و أمّا قول العدلين المعبّر عنه بالبيّنة فما يمكن أن يقال في وجه حجيّته أمور:

منها: الاجماع؛ و يرد فيه انّه اجماع منقول و علي فرض كونه محصلا لا يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام فلا أثر له.

و منها: انّها حجّة شرعا في مقام الدعاوي و الخصومات فيكون حجّة في بقيّة الموارد و فيه: انّه قياس و لا نقول

به و لا سبيل للأولويّة فانّه يمكن انّ الشارع جعلها حجّة في باب الخصومات لأنّه يلزم رفعها فلا أولويّة كما هو ظاهر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 77

______________________________

و منها: ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

كلّ شي ء هو لك حلال حتّي تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه؛ أو خدع فبيع قهرا؛ أو امرأة تحتك و هي اختك أو رضيعتك؛ و الأشياء كلّها علي هذا حتّي يستبين لك غير ذلك؛ أو تقوم به البيّنة «1»، و هذه الرواية تدلّ علي حجيّة البيّنة في الموضوعات و ترفع بها عن مقتضي اليد و الأصل و لا شبهة انّ موردها الموضوعات الخارجيّة.

لكن يرد علي الاستدلال بها كونها ضعيفة سندا بمسعدة؛ فانّه لم يوثق و كونها في سند كتاب كامل الزيارات لا أثر له كما بيّناه في محلّه و العمل بها لا يجبر ضعفها و يؤيّد ضعفها انّه نقل عن المجلسي و العلّامة ضعف الرجل؛ مضافا الي انّ البيّنة عبارة عمّا يتبيّن به الامر و الحكم لا يتعرّض لموضوعه فلا دليل علي انّ شهادة العدلين بيّنة.

و ربّما يقال: انّ خبر عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجبن قال: كلّ شي ء لك حلال حتّي يجيئك شاهدان يشهدان انّ فيه ميتة «2» يدلّ علي المدّعي حيث قال عليه السلام: «كل شي ء لك حلال حتّي يجيئك شاهدان يشهدان انّ فيه ميتة» و هذا الخبر ضعيف بعبد اللّه بن سلمان، مضافا الي انّه خاصّ بمورد

مخصوص و لا وجه للتعدّي؛ فلاحظ.

لكن يمكن اثبات حجيّة قول العدلين في الموضوعات بطريق آخر: و هو انّه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(2) الوسائل: الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 78

______________________________

من المسلّمات الفقهيّة و من الامور التي جرت عليها السيرة المتشرّعيّة المتّصلة بزمان المعصوم عليه السلام و لم يردع؛ كما انّه يمكن ان يستدلّ بالسيرة العقلائية فانّه لا شبهة في انّ العقلاء يعملون بقول العدلين و هذه السيرة لم يردع عنها و لو كانت مردوعة لبان؛ بل لنا أن نقول بحجيّة العدل الواحد بعين البيان بل نقول السيرة مستقرة علي العمل بقول الثقة الواحد.

و ربّما يقال: بانّ خبر مسعدة رادع؛ و اجاب عنه الاستاد بانّ الخبر ليس في مقام الحصر و لذا لا يدلّ علي عدم حجيّة اليد و الأصل.

و هذا الجواب غير تامّ: فانّه لو كان خبر الثقة حجّة لما كان معني لقوله أو تقوم به البيّنة فانّه يكفي أن يقول الّا أن يأتي به الثقة فلا شبهة في دلالته علي انّ قول الثقة الواحد لا يكفي؛ و امّا قوله بانّ اليد حجّة و الأصل أيضا حجّة فلا بدّ من الالتزام بعدم حجيّتهما، غير صحيح إذ فرض في الرواية اعتبار اليد و الأصل فكيف يدلّ علي عدم اعتبارهما؟ و أجاب أيضا بانّ اليد من الأمور المذكورة في الرواية و لا يرفع اليد من اليد الّا بقول عدلين و لا يكفي قول الثقة؛ فالرواية من هذه الجهة لم تتعرّض بقول الثقة.

و يرد عليه: انّ هذا تخرص بالغيب فانّ المستفاد من الرواية سقوط خبر الثقة الواحد حتّي في قبال

الأصل و هذا يكفي للقائل بكون الرواية رادعة.

نعم يمكن ردّ الاستدلال بانّ الرواية غير متعرّضة لبيان انّ البيّنة ما هي و لا بدّ من أن يعلم مصداقها من الخارج فلو احرز انّ خبر الثقة الواحد حجّة ببيان تقدّم منّا نقول بانّه طريق الي الاثبات في نظر الشارع؛ و الذي يهوّن الخطب و يبطل جميع ما ذكر انّ الرواية ساقطة من حيث السند فلا مجال لهذه الكلمات كما هو ظاهر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 79

إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد و كذا يعرف بالشياع المفيد للعلم و كذا الاعلميّة تعرف بالعلم أو البيّنة الغير المعارضة أو الشّياع المفيد للعلم (1).

______________________________

بقي شي ء: و هو انّ الاجتهاد من الملكات و هي غير قابلة للحسّ؛ و الخبر انّما يكون حجّة في الأمر الحسّي؛ و الجواب انّ الأمر و إن كان كذلك لكن لو لم تكن الشهادة مؤثّرة في مثل هذه الأمور لاختلّ النظام فانّ جملة من الأمور كذلك كالشجاعة و البلاهة و العدالة و الجبن و الخبث و طيب النّفس و أمثالها و لا شبهة في حجيّة الشهادة في هذه الأمور عند العقلاء و ببيان آخر: انّه لم يرد في هذا الباب آية أو رواية و انّما المرجع السيرة العقلائيّة، فإن كان مقدّمة الحدس من الأمور الحسيّة و كان ذلك الأمر الحدسي قريبا من الحسّ يكون الشهادة في مورده حجّة بلا كلام؛ نعم هذا فيما لا يكون معارضا بمثله و الّا لا يكون حجّة كسقوط المتعارضين و لذا قال المصنّف قدّس سرّه إذا لم تكن الخ.

(1) فانّ الشياع لو صار سببا للعلم يتمّ الأمر فانّ العلم حجّة

ذاتيّة و ممّا تقدّم يظهر تقريب الاستدلال بالنسبة الي ما افاده في ذيل المسألة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 80

[مسألة 21 إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلميّة أحدهما]

(مسألة 21): إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلميّة احدهما و لا البيّنة فان حصل الظنّ باعلميّة احدهما تعيّن تقليده بل لو كان في أحدهما احتمال الاعلميّة يقدّم كما إذا علم انّهما امّا متساويان أو هذا المعيّن أعلم و لا يحتمل اعلميّة الآخر فالأحوط تقديم من يحتمل اعلميّته (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة تارة في صورة عدم العلم بالاختلاف بين القولين و اخري في صورة العلم به امّا علي الأوّل فلا اشكال في جواز الرّجوع الي ايّهما شاء و قد مرّ بيان ذلك؛ و امّا علي الثاني فتارة نتكلّم علي فرض تحقّق الاجماع التعبّدي الكاشف علي عدم وجوب الاحتياط و ثبوت التخيير بين القولين و اخري نتكلّم علي فرض عدم تحقّق الاجماع التعبّدي الكاشف؛ امّا علي الأوّل فلا اشكال في تقدّم مظنون الاعلميّة و كذا محتملها لدوران الأمر بين التعيين و التخيير و من الظاهر انّ مقتضي الترديد بينهما في مقام الحجيّة تقديم المظنون أو المحتمل؛ و امّا علي الثاني كما هو مسلكنا فلا يكون الظنّ مرجّحا و لا الاحتمال بطريق اولي بلا فرق بين امكان الاحتياط و عدمه بل القاعدة تقتضي الاحتياط لتساقط القولين بالتعارض و علي فرض عدم امكان الاحتياط مقتضي القاعدة التخيير العقلي فلا وجه لما ذكره سيد الاستاد في المقام من التفصيل بين امكان الاحتياط و عدمه.

اللّهمّ الّا أن يقال: مع امكان الاحتياط يلزم ان يحتاط و اما مع عدم امكانه فيلزم ترجيح جانب الظن أو الاحتمال لكونه مظنون الاعلمية أو محتملها لكونه أقرب

الي الواقع.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 81

[فيما يشترط في المجتهد]

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور: البلوغ (1).

______________________________

(1) لا شبهة في انّه لا فرق في سيرة العقلاء بين البالغ و غيره فانّ الميزان كون من يرجع اليه من أهل الخبرة كما انّ الاطلاقات الكتابية أو الخبريّة علي فرض تماميّة دلالتها تشمل غير البالغ و ما يمكن أن يقال في وجه الاشتراط أمور:

منها: الاجماع و اشكاله واضح فانّ المنقول منه غير حجّة و المحصّل منه غير حاصل.

و منها: انّه علم من مذاق الشرع عدم لياقة غير البالغ لهذا المقام؛ و فيه: انّه لم يعلم منه بل علم خلافه فانّه لو كان الأمر كذلك لكان الأولي أن لا يكون غير البالغ قابلا لمنصب الامامة.

و منها: انّ غير البالغ رفع عنه القلم و قد دلّ عليه النصّ: لاحظ ما رواه ابن ظبيان قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت؛ فامر برجمها؛ فقال علي عليه السلام: اما علمت انّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتي يحتلم؛ و عن المجنون حتّي يفيق؛ و عن النائم حتّي يستيقظ «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا بابراهيم بن أبي معاوية؛ و من حيث الدلالة لا ترتبط بالمقام فانّها دلّت علي انّ غير البالغ غير مكلّف بالتكاليف و لم يوضع عليه القلم و ايّ تناف بين حجيّة قوله و رأيه و عدم كونه مكلّفا من قبل الشارع.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد؛ ص: 81

و منها: انّه قد دلّ بعض النصوص

علي انّ خطائه و عمده واحد لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: عمد الصبي و خطأه واحد «2».

و قد أجاب عنه سيّدنا الاستاد بانّه ناظر الي الدّية أي الدّية علي عاقلته

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 11.

(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 82

و العقل (1)

______________________________

بقرينة رواية أخري؛ و الظاهر انّ هذا الجواب غير تامّ إذ لا وجه لحمل هذه الرواية علي تلك بل مقتضاها انّ عمده خطاء فلو صدر منه فعل عمدا يكون كفعله خطاء يترتّب عليه أثر الخطاء.

لكن يمكن أن يجاب بنحو آخر و هو انّ المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون الكلام ناظرا الي الأفعال الصادرة منه لا أزيد من هذا المقدار فانّ صراحة الكلام تقتضي ما ذكرنا و المناط في رجوع الجاهل الي العالم معلوماته و من الظاهر انّها خارجة عن دائرة الأفعال فلا تكون مشمولة لهذه الرواية و عليه لا مانع من تقليد غير البالغ.

ثمّ انّه لا شبهة في انّه لو صار مجتهدا قبل البلوغ ثمّ صار بالغا يجوز تقليده بلا كلام و الحال انّه لو كان رأيه قبل بلوغه ساقطا عن الاعتبار لا يكون لاعتباره بعد بلوغه وجه؛ اذ الشي ء لا ينقلب عمّا هو عليه.

ثمّ انّه لو قلنا بانّ تقليد الميّت ابتداء جائز فلا كلام و لو قلنا بعدم جوازه فلو تعلّم مسائله قبل بلوغه و بعد البلوغ مات و قلنا يكفي في جواز البقاء التعلّم يجوز تقليده بقاء كما عليه الاستاد.

(1) يقع الكلام تارة في اعتبار العقل حدوثا و اخري بقاء:

امّا الأوّل: فلا شبهة

في اعتباره فانّ من لا عقل له لا وثوق بآرائه و أقواله و ليس له وقع عند العقلاء كما انّ الاطلاقات لا تشمله؛ مضافا الي انّه ادّعي عدم الخلاف في اعتبار العقل في المرجع.

و امّا الثاني: فلا دليل علي اعتباره فانّ السيرة مستقرة علي العمل بقول من ذهب عقله كما انّ الاطلاق لو شمله حال عقله يكون مقتضيا للحجيّة بقاء و لو بعد

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 83

و الايمان (1).

______________________________

زواله؛ نعم للأستاد كلام يشمل المقام نتعرّض لصحّته و سقمه عند تعرّضه فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

(1) ربّما يستدلّ عليه بأمور: منها: الاجماع و يرد عليه ما ورد في سابقه.

و منها: ما رواه عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السّلطان و الي القضاة أ يحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم اليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم الي الطاغوت؛ و ما يحكم له فانّما يأخذ سحتا و إن كان حقّا ثابتا له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و ما امر اللّه ان يكفر به؛ قال اللّه تعالي: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممّن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانّي قد جعلته عليكم حاكما؛ فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ؛ و الرادّ علينا كالراد علي اللّه؛ و هو علي حدّ الشرك باللّه الحديث «1» بتقريب انّه ورد فيها «ينظران من كان منكم الخ» فانّ الاضافة

تقتضي الايمان.

و فيه أوّلا: انّ السند ضعيف بابن حنظلة و ثانيا: انّ الرواية واردة في باب القضاء.

و منها: ما رواه أبو خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ايّاكم ان يحاكم بعضكم بعضا الي أهل الجور و لكن انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فانّي قد

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 84

______________________________

جعلته قاضيا فتحاكموا اليه «1» فانّه ورد فيه «و لكن انظروا الي رجل منكم» و هذه الرواية أيضا ضعيفة بابي خديجة؛ فانّ الأقوال فيه متعارضة.

و ربّما يقال: بانّ تضعيف الشيخ يعارضه توثيقه فيبقي توثيق النجاشي علي حاله و هذا غير سديد فان تضعيف الشيخ رحمة اللّه كما يعارض توثيقه يعارض توثيق النجاشي كما لو اخبر شخص بروايتين متعارضتين و روي راو آخر رواية موافقة لأحد الطرفين هل يمكن أن يقع التعارض بين الخبرين الّذين رواهما ذلك الراوي و يبقي الخبر الآخر سالما؟ كلّا فالسّند مخدوش.

و لقائل أن يقول: لا اشكال في انّ دليل الاعتبار لا يشمل قول الشيخ و امّا قول غيره فلا مانع عن كونه مشمولا لدليل الاعتبار و ان شئت قلت: قول الشيخ لتعارضه في نفسه لا يكون فيه اقتضاء الحجيّة بخلاف قول غيره و لا تعارض بين ما فيه الاقتضاء و ما لا اقتضاء فيه و قس عليه ما ذكرناه في الخبر فانّ الكلام فيه هو الكلام؛ مضافا الي انّ فيه نقاشا آخر و هو ضعف اسناد الصدوق الي احمد بن عائذ و السند الآخر أيضا مخدوش؛ اضف الي ذلك انّ الرواية واردة في

مورد الحكم و القضاء و لا يرتبط بالمقام.

و منها: ما رواه علي بن سويد السابي قال: كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام و هو في السّجن: و امّا ما ذكرت يا علي ممّن تأخذ معالم دينك لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا؛ فانّك ان تعدّيتهم اخذت دينك عن الخائنين الّذين خانوا اللّه و رسوله و خانوا اماناتهم؛ انّهم ائتمنوا علي كتاب اللّه فحرّفوه و بدّلوه فعليهم لعنة اللّه و لعنة رسوله و لعنة ملائكته و لعنة آبائي الكرام البررة و لعنتي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 85

و العدالة (1).

______________________________

و لعنة شيعتي الي يوم القيامة- في كتاب طويل- «1».

و منها: ما رواه أحمد بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت اليه- يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام- أسأله عمّن آخذ معالم ديني؛ و كتب أخوه أيضا بذلك فكتب اليهما: فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما علي كلّ مسنّ في حبّنا؛ و كلّ كثير القدم في أمرنا؛ فانّهما كافو كما إن شاء اللّه تعالي «2» و كلا الحديثين ضعيفان إذ علي بن حبيب المدائني لم يوثّق و أيضا موسي بن جعفر بن وهب لم يوثّق؛ و لكن يكفي لإثبات المدّعي انّ المرتكز في اذهان اهل الشرع انّ الايمان شرط في مرجع التقليد و تقليد العامي غير المؤمن مستنكر عند أهل الشرع.

(1) ما يمكن أن يقال: في وجهها أمور:

الأوّل: الاجماع و اشكاله ظاهر، الثاني: الأولويّة بأن يقال انّها اشترطت في امام الجماعة فبالاولوية تشترط في المرجع للتقليد؛ و فيه: انّه لو كانت لا تكون الّا ظنيّة.

الثالث: ما عن تفسير العسكري عليه السلام «3» و

فيه: انّ السند مخدوش و رجعنا عن هذه المقالة و بيننا علي تمامية سند الكتاب و قد تقدم التنبيه عليه في هذا الشرح لعلّه كرارا و مرارا؛ مضافا الي انه يمكن الخدش في الدلالة بأن يقال: انّ المستفاد من هذا الحديث انّ المانع من التقليد احتمال الكذب فلو لم يكن فيه هذا الاحتمال بان حصل الوثوق فلا مانع مضافا الي انا قلنا انّ الحصر اضافي اضف الي ذلك انّه علي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 42.

(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 45.

(3) لاحظ ص 26.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 86

و الرجوليّة (1).

______________________________

فرض التسليم لا يلزم بحسب البقاء بل يكفي الحدوث إذ لو كان واجدا للشرائط يكون قوله حجّة للغير فلو صار فاسقا بعد ذلك لا وجه لسقوط قوله عن الاعتبار هذا تمام الكلام من حيث المانع؛ و امّا من حيث المقتضي فأيضا كذلك أي يشمل الفاسق فانّ مقتضي اطلاق الآية و الرواية عدم الفرق كما انّه لا فرق من حيث السيرة؛ فلاحظ.

بقي شي ء: و هو انّه كيف يرضي الشارع بان يسلّم امور المسلمين بيد فاسق أو غير مؤمن أو مجنون فانّ اقتضاء الارتكاز الموجود عند المتشرّعة هكذا.

و فيه انّه استبعاد محض فانّه فرق بين التقليد و بين الامامة العامة إذ الامامة العامّة عبارة عن الجلوس مجلس الامام عليه السلام و حيث انّه لا اطلاق في الدليل لهذا العنوان فلا بدّ من الاقتصار علي المتيقّن و القدر المتيقّن أن يكون عادلا مؤمنا فلا يرتبط أحد الامرين بالآخر و هذا خلط بلا وجه و العجب من سيّدنا الاستاد انّه كيف خلط الامرين و الحال انّه

من خبرة الفن بل حقيق أن يقال بانّه فخر الفقهاء لكنّ العصمة خاصّة بأهلها لكن قد تقدّم انّه لا يمكن الالتزام بالجواز بالنسبة الي السنّي.

(1) تارة يستدلّ عليها بالإجماع و الجواب ظاهر و اخري بما رواه أبو خديجة «1» و فيه أوّلا: انّه ضعيف سندا و قد مرّ الاشكال فيه من انّه وارد في القضاء و لا أولويّة و ممّا ذكر يعلم الجواب عن مقبولة ابن حنظلة «2» مضافا الي انّ لفظ من الموصولة يشمل المرأة؛ و امّا ما رواه عامر بن عبد اللّه بن جذاعة قال: قلت

______________________________

(1) لاحظ ص 83.

(2) لاحظ ص 83.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 87

و الحريّة علي قول (1) و كونه مجتهدا مطلقا فلا يجوز تقليد المتجزّي (2).

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السلام انّ امرأتي تقول: بقول زرارة؛ و محمّد بن مسلم في الاستطاعة؛ و تري رأيهما فقال: ما للنّساء و للرّأي؛ القول لهما انّهما ليس بشي ء في ولايتي قال: فجئت الي امرأتي فحدّثتها؛ فرجعت عن هذا القول «1» فانّه ضعيف سندا إذ الرجل لم يوثّق.

بقي شي ء: و هو ما عن الاستاد من استبعاد كون منصب الزعامة بيد المرأة و فيه: انّه خلط بين المقامين و لكن مع ذلك كلّه لا يبعد أن يكون الالتزام بالجواز مورد الاستنكار من قبل أهل الشرع؛ فلاحظ.

(1) لا وجه لاشتراطها؛ فانّه ليس في المقام ما يدلّ علي هذا الاشتراط نعم ما أفاده سيّدنا الاستاد من الارتكاز إن كان تامّا فلا يبعد أن يجري في المقام إذ كيف يمكن أن يتصدّي للأمور من يكون عبدا للغير و يجب عليه الكنس و الطبخ؛ لكن يمكن أن يجعل مرجعا للفتوي و لكن لا

يجعل زعيما.

(2) يقع الكلام في المقام من جهات:

الأولي: في معني التجزّي فانّه عبارة عن القدرة علي استنباط بعض الأحكام دون بعض كما لو كان قادرا علي استنباط ما يتوقّف علي المقدّمات اللفظيّة دون العقليّة أو بالعكس.

الثانية: في امكانها و عدمه و الحقّ أنها أمر ممكن و ربما يقال: بانّها غير ممكنة فانّ الاجتهاد عبارة عن ملكة الاستنباط أو نفس الاستنباط و علي كلّ حال أمر

______________________________

(1) معجم رجال الحديث: ج 17 ص 255.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 88

______________________________

بسيط غير قابل للتجزية، و هذا التوهّم باطل إذ التجزّي لا ينافي البساطة فانّ التجزّي فرد من أفراد الكلّي لا جزء من أفراد الكلّ فانّ البياض أمر بسيط و مع ذلك يكون أفراده مختلفة في الشدّة و الضّعف و ادلّ دليل علي امكانه وقوعه خارجا فانّه ربّما يكون شخص مجتهدا في جملة من المسائل كالمجتهد المطلق بل ربما يكون أعلم منه في تلك المسائل.

بقي شي ء: و هو انّ الفرق بين المطلق و التجزي هل يكون بالشدّة و الضعف كما عليه بعض أو باختلاف الأفراد؟ الحقّ انّ الفرق بالشدّة و الضعف كبقيّة الملكات مثل الشجاعة؛ ثمّ هل يكون التجزّي واجبا؟ بتوهّم انّه يلزم الطفرة و هي مستحيلة؛ و بعبارة أخري: لو لا التجزي تلزم الطفرة و هي مستحيلة؛ الحقّ انّه ليس كذلك فانّه ليس بعض أفراد الاجتهاد مقدّمة لبعض آخر كي يقال بانّه لا يعقل تحقّق ذي المقدّمة قبل وجود المقدّمة بل لكلّ فرد منه سبب خاصّ و يمكن اجتماعها في آن واحد؛ نعم تحقّقها دفعة واحدة أمر علي خلاف العادة الخارجية.

الثالثة: في انه هل يجوز له التقليد أم لا؟ امّا فيما استنبط الحكم

الشرعي بالفعل فلا يجوز إذ يري الغير جاهلا فكيف يقلّد؟ و امّا في مورد لم يستنبط بعد فالظاهر انّه لا بأس به.

الرابعة: أنه هل يجوز للغير أن يقلّده؟ الظاهر انّه لا فرق في نظر العقلاء بين المتجزّي و المجتهد المطلق فان ثبت ردع فهو و الّا نلتزم بالجواز؛ و ما يتوهّم في المقام أن يكون رادعا امّا الاجماع و امّا الآيات و امّا الروايات امّا الأوّل: فليس شيئا فانّه مدركي و امّا الثاني فقد ذكرنا عدم دلالتها علي حجيّة الفتوي فلا موضوع لهذا الكلام و امّا الروايات فما يمكن أن يكون رادعا قوله عليه السلام في تفسير العسكري «من

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 89

و الحياة فلا يجوز تقليد الميّت ابتداء نعم يجوز البقاء كما مرّ (1) و ان يكون أعلم فلا يجوز علي الأحوط تقليد المفضول مع التمكّن من الأفضل و إن لا يكون متولّدا من الزّنا و أن لا يكون مقبلا علي الدنيا و طالبا لها مكبّا عليها مجدّا في تحصيلها ففي الخبر من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه (2).

______________________________

كان من الفقهاء» «1» و التقريب ظاهر لكن قد سبق انه ضعيف سندا و الّا لا يبعد تماميّته للرّدع، و رجعنا عن هذه المقالة و التزمنا باعتبار التفسير لكن لا يستفاد منه الحصر الحقيقي بل المستفاد منه الحصر الإضافي و تقدم بيانه فراجع ما ذكرناه في ذيل (مسألة 9). و امّا مقبولة ابن حنظلة فضعيفة سندا و واردة في باب القضاء و لا وجه للتعدّي.

الخامسة: في انّه هل يكون له التصدّي للقضاء؟ تفصيل الكلام موكول الي محلّه و لكن

حيث انّه لا بدّ من الاقتصار علي المتيقّن فلا يجوز له إذ لا ندري هل يجوز أم لا يجوز؛ و الحاصل انّ نفوذ الحكم أمر علي خلاف القاعدة الأوّلية فيحتاج اثباته الي الدليل؛ و ممّا ذكرنا علم جواز تصدّيه للأمور الحسبيّة؛ الّا أن يقال: القدر المعلوم ولاية من يكون مجتهدا مطلقا.

(1) تقدّم الكلام فيها.

(2) قد مرّ انّه لا يجب تقليد الأعلم الّا مع العلم بالمخالفة؛ و امّا اشتراط طهارة المولد فلم يدلّ عليه دليل؛ و امّا الخبر المشار إليه فالمستفاد منه الحصر الاضافي و عليه يمكن أن يقال: انّه لا دليل علي اشتراط العدالة فكيف بما فوقها و قد تحصّل انّ

______________________________

(1) لاحظ ص 26.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 90

______________________________

اشتراط هذه الأمور من باب الاحتياط؛ اضف الي ذلك انه قد مرّ انّ عدم الاشتراط في جملة من الموارد خلاف الارتكاز الشرعي.

ثمّ انّه لو قلنا بالاشتراط فهل يكفي حدوثها أو يلزم البقاء أيضا؟ مقتضي الصناعة كفاية الحدوث؛ امّا السيرة فظاهرة و امّا الروايات فعلي تقدير تماميّة دلالتها كما هو كذلك بالنسبة الي بعضها كما مرّ فأيضا كفاية الحدوث فانّ مقتضي الاطلاق حجيّة قول الواجد للشروط حتّي بعد زوالها كما انّ الأمر كذلك في حجيّة الخبر فانّ العدالة أو الوثاقة في الراوي يكفي في الحجيّة و لو زال بعد ذلك و صار الراوي كاذبا فانّ عروض الكذب لا يسقط خبره عن الحجيّة.

بل يمكن أن يقال انّ مقتضي الاطلاق جواز التقليد ابتداء كما انّ الأمر كذلك في الراوي هذا بالنسبة الي ما تقتضيه الادلّة الاجتهاديّة؛ و امّا بحسب الأصل العملي فلو تحقّقت الحجيّة بان وصلت الي المكلّف ثمّ زالت الأوصاف فمقتضي الاستصحاب بقائها

لكنه في الشبهة الحكميّة غير جار؛ و امّا من جهة الارتكاز فليس فيه ما يفيد هذا المعني كما مرّ و امّا الاجماع المدّعي في كلام بعض فليس تعبّديا.

ثمّ انّه علي تقدير اشتراط الشروط المذكورة لو لم يوجد في الأحياء مجتهد واجد لهذه الشرائط يجوز للمقلّد أن يقلّد الأعلم من الأموات في صورة العلم باختلافهم أو الواجد للشرائط من الأموات و لو لم يكن أعلم في صورة عدم العلم بالاختلاف و ذلك لأنّ مقتضي السيرة جواز تقليد الميّت ابتداء و المحذور الّذي يذكر في المقام لا يكون في هذه الصورة فانّه لا ينحصر المرجع في شخص واحد كي يقال بانّه مخالف لضرورة المذهب؛ مضافا الي انّا أنكرنا هذا الادعاء و قلنا انّه بحسب الصناعة يجوز تقليد الميّت ابتداء بل لا نضايق من القول بالوجوب في صورة العلم بالاختلاف.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 91

______________________________

فائدة: المجتهد إذا استنبط الحكم من مدارك غير شرعيّة كما لو استنبط الحكم الشرعي من الرّمل و الجفر أو الاستخارة لا يجوز تقليده لعدم الدليل عليه بل الضرورة الفقهيّة علي خلافه و نفس الشك يكفي لعدم الجواز إذ الشك في الحجيّة مساوق مع القطع بعدمها؛ نعم لو حصل لأحد القطع بالحكم من هذه المقدّمات يجوز له العمل بقطعه لحجيّة القطع ذاتا و هذا لا اشكال فيه؛ انّما الاشكال فيما لو كان أحد قائلا بالانسداد فهل يجوز العمل بقوله و تقليده أم لا؟ ربما يقال: بانّه لا يجوز إذ القائل بالانسداد معترف بجهله فكيف يجوز تقليده بلا فرق بين الأقوال في الانسداد من الكشف أو الحكومة بل لا يجوز تقليده حتّي مع الانحصار و يجب العمل بالاحتياط لعدم جواز

الرجوع الي الجاهل.

و الظاهر انّ هذا التوهّم باطل إذ القائل بالانسداد جاهل و معترف بجهله لكن يعتقد انّ القائل بالانفتاح اجهل منه حيث انّه جاهل بالجهل المركّب الذي يبقي فيه ابد الدّهر؛ و الحاصل انّه لو كان القائل بالانسداد اعلم يلزم الرجوع اليه بحكم السيرة كما لا يخفي.

ايقاظ: لا اشكال في جواز الرجوع الي المجتهد فيما يحصل له العلم الوجداني بالأحكام الواقعيّة كما انّه لو قلنا بانّ المجعول في الامارات، الطريقيّة فانّه عالم بالحكم غاية الأمر بالعلم التعبّدي كما انّه لا اشكال بناء علي كون المجعول المعذريّة و لا منجزيّة فهل يشكل الرجوع الي المجتهد أم لا؟ الظاهر هو الثاني؛ امّا من حيث السيرة فلا فرق بين هذه المسالك فانّه من رجوع الجاهل الي أهل الخبرة و امّا من حيث الروايات فانّهم عليهم السلام ارجعوا النّاس الي اشخاص مخصوصين و علي هذا المسلك يكونون عالمين بهذا النحو فلا مجال للإشكال؛ هذا بالنسبة الي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 92

[العدالة عبارة عن ملكة اتيان الواجبات و ترك المحرّمات]

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة اتيان الواجبات و ترك المحرّمات (1).

______________________________

الامارات و امّا بالنسبة الي الاصول فالاستصحاب لا يجري في الشبهة الحكميّة و علي فرض جريانه يجري المجتهد الأصل في الحكم و يفتي علي طبقه و يأخذ المقلّد الحكم من المجتهد؛ و امّا أصل البراءة فهو حكم للمشكوك فيه أيضا و المجتهد يفتي بالاباحة و الحاصل: انّ المقلّد لا بدّ من الرجوع الي العالم بالحكم الشرعي و لا فرق في الحكم الشرعي بين أن يكون واقعيّا أو ظاهريّا كما انّه لا فرق بين أن يكون بالعنوان الاوّلي و بين أن يكون بالعنوان الثانوي هذا بالنسبة الي الأصل الشرعي و امّا

الأصل العقلي علي تقدير القول باعتباره و هي البراءة العقليّة و الاحتياط العقلي فامّا يشخص العامي موضوعهما و يحكم عقله بمقتضاهما و امّا لا يشخص؛ امّا علي الأوّل فلا مجال للرجوع الي الغير و امّا علي الثاني فيرجع الي المجتهد لأنّه من اهل الخبرة؛ و ملخّص الكلام في المقام انّ العمدة في جواز التقليد رجوع الجاهل الي العالم بحسب السيرة غير المردوعة و هذا لا فرق فيه بين المسالك و لا بين الأحكام و لا بين المدارك؛ فلاحظ.

(1) يقع الكلام في العدالة في المقامين: الأوّل في بيان ماهيّتها.

الثاني: فيما تعرف به؛ امّا المقام الأول: فنقول انّه قد وقع الخلاف في بيان ماهيّتها و لذا عرّفت بتعاريف مختلفة فقيل في تعريفها انّ العدالة هي الإسلام و عدم ظهور الفسق و من الظاهر انّه لا يمكن أن يكون ما ذكر تعريفا للعدالة إذ فرض امكان تحقّق الفسق في الواقع، و حكم بتحقّق العدالة و الحال انّ الفسق و العدالة ضدان لا يجتمعان.

فطبعا يكون هذا التعريف راجع الي المقام الثاني؛ و قيل: انّ العدالة عبارة عن

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 93

______________________________

حسن الظاهر و هذا التعريف أيضا ظاهر في رجوعه الي مقام الاثبات و انّه بايّ شي ء تعرف العدالة إذ يمكن أن يكون المكلّف مرتكبا للمعاصي في الخفاء و مع ذلك يكون له حسن الظاهر مضافا الي انّ الإسلام مع عدم ظهور الفسق لا يكفي في تحقّق العدالة.

و من التعاريف للعدالة: ما نسب الي المشهور بين المتأخّرين من انّها ملكة أو هيئة راسخة أو حالة أو كيفيّة باعثة نحو الاطاعة بالاتيان بالواجبات و ترك المعاصي و المحرّمات و تعريف المصنّف علي هذا النسق

و عليه تكون العدالة من الأمور النفسيّة لا الخارجيّة.

و منها: انّ العدالة عبارة عن الاتيان بالاعمال الخارجيّة من الواجبات و ترك المحرّمات الناشي عن الملكة النفسانيّة؛ و الحرّي بالبحث أن نتكلّم في مفادها و حقيقتها من حيث العرف و اللّغة ثمّ النظر في الرّوايات فلو لم يكن من الشارع تصرّف في معناها اللّغوي يتمّ الأمر علي ذلك المعني اللّغوي و يترتّب الأثر علي ذلك المعني و امّا لو استفيد من الروايات امر آخر لا بدّ من الالتزام به؛ ففي اللّغة يطلق العدل علي الاستقامة و يقال فلان عادل إذا انصف.

و الحاصل: انّ المفهوم من هذا اللّفظ هي الاستقامة كما انّه يقال في الفارسيّة «چوب راست» في مقابل «چوب كج» فالعدالة عبارة عن الاستقامة و من الظاهر انّ هذا المعني ليس امرا نفسيّا بل امر خارجي لكن لا بدّ من أن يكون هذه الاستقامة ناشئة من اقتضاء في الشي ء فانّ الخشب لو كان معوجا و صار عدلا بقسر قاسر لا يطلق عليه انّه عادل علي الاطلاق فنقول لنا أن نقول بانّ العدالة عبارة عن كون الشخص علي نحو لا تصدر منه المعصية عادة و انّما نقيّد بهذا القيد

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 94

______________________________

لأنّ من لا يصدر عنه العصيان علي نحو الاطلاق لا يوجد الّا أقل قليل و كيف يمكن أن يترتّب علي مثله حكم في العرف أو كيف يمكن أن يرتّب الشارع أحكامه علي مثله فانّه يوجب تعطيل باب الطلاق و القضاء و ان شئت قلت: يلزم اختلال النظم و لو في وعاء الشرع فصدور العصيان من الشخص إذا كان من قبيل الجواد قد يكبو و الصارم قد ينبو لا

يضرّ بالعدالة لكن لا بدّ أن يكون بحيث يندم و يتوب.

إن قلت: لازم هذا أن يكون الشخص حين ارتكاب الذنب و لو في بعض الأحيان عادلا و الضرورة علي خلافه.

قلت: نلتزم بانّه بالفعل ليس عادلا لكن بمجرّد تماميّة الذنب يرجع اليها و يتوب من الذنب؛ كما انّ الخشبة العادلة لو اعوجت بقاسر لا تكون عادلة في تلك البرهة من الزمان لكن بمجرّد ارتفاع القاسر ترجع الي الحالة الاوّليّة؛ فانقدح بما ذكرنا انّ تعريف العدالة بالاستقامة الفعليّة في جادّة الشرع الناشئة عن الأمر النفسي هو الصحيح فلا بأس.

ثمّ انّه هل يشترط أن تكون الاستقامة علي الجادة ناشئ عن الخوف الالهي و بعبارة اخري: يشترط أن يكون الامساك عن العصيان ناشئا عن الخوف عن العقاب أو الطمع في الثواب أو يكفي حصول الاستقامة الناشئة عن الأمر النفسي مطلقا لا اشكال في انّ الأمور العباديّة لا بدّ من تحقّقها بقصد القربة و معني عدم القصد الالهي يلازم انعدامها و امّا التوصليّات فالظاهر انّه لا وجه لهذا الاشتراط فيها فانّ الكون علي جادة الشرع أن لا ينحرف عنها و لا يصدر عنه خلاف الحكم الشرعي و الزائد علي هذا المقدار لا دليل عليه.

و المتحصّل ممّا ذكرنا: انّ العدالة عبارة عن كون الشخص في جادّة الشّرع

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 95

______________________________

بداع نفسي و لا نقول بانّ ذلك الدّاع النفسي عبارة عن الملكة بل نقول لا بدّ في الصدق المطلق أن يكون هذه الاستقامة ناشئة عن الأمر النفسي أعمّ من أن يكون ذلك الأمر النفسي الملكة كما عليه القوم أو الخوف النفساني أو التقليد بالاعتباريّات أو الطمع في الوصول الي مقام أو غير ذلك؛ و

بعبارة أخري: انّا ندّعي انّ العادل لا يطلق الّا فيما يكون هذا الوصف من لوازمه و هذا لا يكون الّا مع الاقتضاء النفسي و الّا لو صدق الوصف بمجرّد كون الانسان في الجادّة يلزم صدقه علي كلّ فاسق حين عدم ارتكاب الفسق كما انّه يلزم صدقه علي ما لا يرتكب المعصية لعارض خارجي موقّت و هو كما تري لكن لا يخفي انّا لا نسلّم عدم امكان الاطّلاع علي هذا الأمر الّا بما جعله الشارع طريقا للانكشاف و الّا يلزم عدم الاطلاع علي الاوصاف من الجود و الشجاعة و البخل و العطوفة و أمقالها و هو من البطلان بمكان من الوضوح فانّه لا شبهة في انكشاف هذه الأوصاف لدي العرف بالاطلاع علي آثارها و لوازمها.

و لكن نسب الي جمع منهم الشيخ الأنصاري قدّس سرّه بانّ العدالة عبارة عن كون الانسان في الجادة عن الملكة و حيث انّ الملكة من الأمور النفسيّة فلا بدّ من طريق شرعي إليها؛ و استدلّ علي لزوم وجود الملكة بوجوه:

الأوّل: انّ الشك في انّ الملكة معتبرة في العدالة أم لا شك في سعة المفهوم و ضيقه و لا بدّ مع هذا الشك الاقتصار علي القدر المعلوم و ذلك لأنّه يشك في ترتّب الآثار المترتّبة علي العدالة و مع الشك في تحقّق الموضوع يكون مقتضي الأصل عدمه مثلا لو رتّب جواز الشهادة علي عدالة الشاهد و شك في كفاية كون الشاهد علي الجادة بلا ملكة يحكم بعدم نفوذ شهادته.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 96

______________________________

و أورد عليه: سيّدنا الاستاد دام ظلّه أوّلا: بانّه لا نشك في سعة المفهوم و ضيقه بل مفهوم العدالة أمر واضح و هو كون

الشخص علي الطريق و لو شك في الأمر الزائد يدفع بالأصل أي باصالة الاطلاق.

و يرد عليه: انّ المفهوم و إن كان معلوما لكن ليس عبارة عن مجرّد كون الشخص علي الجادّة و الّا يلزم صدقه علي كلّ فاسق حين عدم ارتكاب الفسق و هو كما تري؛ و إن شئت قلت: انّ الاهمال محال في الواقع و عليه نسأل انّ الكون علي الجادة الموضوع للعدالة بنحو الاهمال أو بنحو الاطلاق أو بنحو التقييد امّا الأوّل فهو غير معقول و امّا الثاني فيلزم الصدق و لو في ساعة واحدة و لا يرضي به هو أيضا و امّا الثالث أي كون الشخص علي الجادّة بحسب الاقتضاء أي يكون من شأنه أن يكون كذلك فهو يستلزم الامر الزائد و هو الامر النفسي.

و أورد عليه ثانيا: بانّ هذا الأصل انّما يجري فيما يرتّب حكم علي عنوان العادل أو بالقرينة المتّصلة كما في قوله تعالي: (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) «1» و امّا لو ثبت التقييد بالدليل المنفصل فلا مجال للأصل اذ المقيّد المنفصل لا يسري اجماله الي الاطلاق و ما أفاده صحيح لكن كلام الشيخ ناظر الي الأوّل بحسب الطبع و الأمر سهل و الّذي يمكن أن يقال في هذا المقام كما قلنا انّ المفهوم لا يشك فيه بل معلوم بانّه عبارة عن المقيّد غاية الأمر انّ المفهوم لا يشك فيه بل معلوم بانّه عبارة عن المقيّد غاية الأمر انّا نعبر عمّا يعبّر عنه بالملكة بالأمر النفسي.

الثاني: الأخبار الواردة في انّ امام الجماعة يشترط فيه أن يوثق بدينه و لا يحصل الوثوق بالدّيانة بدون الملكة المقتضية فانّه يمكن أن يكون الشخص

______________________________

(1) الطلاق: 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد

و التقليد، ص: 97

______________________________

تاركا للمعصية و آتيا بالواجب و مع ذلك يمكن أن يصدر عنه العصيان في المستقبل فبلا ملكة مقتضية لا يحصل الوثوق.

و أورد عليه: الاستاد بانّه إذا عاشرنا شخصا مدّة من الزمان و نراه يخاف من الحيوان الكذائي نعلم بانّه خائف و كذلك في المقام بلا اشتراط الملكة فانّها اجنبيّة عن العدالة.

و يرد عليه: انّ الأمر في المقيس عليه أيضا كذلك فانّ الخوف من الحيوان الكذائي امر نفسي يقتضي الفرار أو تغيّر اللّون أو غيرهما و المدّعي في المقام انّه لا بدّ أن يكون في النفس أمر يقتضي كون الشخص علي الجادّة غاية الأمر انا لا نعبّر عن ذلك الأمر بالملكة بل نعبر عنه بالأمر النفسي و لذا عبّر عنه تارة في كلماتهم بالملكة و اخري بالهيئة الراسخة و ثالثة بالحالة و رابعة بالكيفيّة الباعثة.

الثالث: الروايات الواردة في الشاهد حيث تدلّ علي اشتراط أوصاف و عناوين خاصّة لا تنطبق الّا علي صاحب الملكة كالعفاف و الستر و الصّلاح و المأمونية و المرضي و الخيّر و الصّائن.

منها: ما رواه ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بم تعرف عدالة الرّجل بين المسلمين حتّي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: ان تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللّسان و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النّار من شرب الخمر؛ و الزّنا؛ و الرّبا و عقوق الوالدين؛ و الفرار من الزّحف؛ و غير ذلك و الدّلالة علي ذلك كلّه أن يكون ساترا لجميع عيوبه؛ حتّي يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك؛ و يجب عليهم تزكيته و اظهار

عدالته في النّاس؛ و يكون منه التعاهد

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 98

______________________________

للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين؛ و ان لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم الّا من علّة فاذا كان كذلك لازما لمصلّاه عند حضور الصّلوات الخمس؛ فاذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه الّا خيرا مواظبا علي الصّلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلّاه فانّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين؛ و ذلك انّ الصلاة ستر و كفّارة للذنوب؛ و ليس يمكن الشهادة علي الرّجل بانّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلّاه و يتعاهد جماعة المسلمين؛ و انّما جعل الجماعة و الاجتماع الي الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي؛ و من يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيع؛ و لو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد علي آخر بصلاح؛ لأنّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين؛ فانّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله همّ بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين؛ و قد كان فيهم من يصلّي في بيته فلم يقبل منه ذلك؛ و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جري الحكم من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله صلّي اللّه عليه و آله فيه الحرق في جوف بيته بالنّار؛ و قد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين الّا من علّة «1».

و أجاب الاستاد: بانّ الرّضا و الأمن راجع الي الغير و لا يرتبط بالعادل فانّ غيره يرضاه و يأمن منه و امّا العفّة فمعناها انّه يمتنع عن الحرام و امّا الستر فمعناه أن يجعل

بينه و بين الحرام ساترا أي لا يفعل و امّا الخير أي يفعل الخير و الصائن أي يترك العصيان مع وجود المقتضي؛ و ملخّص الكلام انّها صفات خارجيّة لا نفسيّة.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 99

______________________________

و يرد عليه: انّ هذه الأوصاف و إن كانت صفاتا للأمور الخارجيّة و لكن لا يتّصف بها الّا من يكون له اقتضاء كذائي الّذي نعبّر عنه بالأمر النفسي و لذا لا يطلق علي من يكون متّصفا بها لعارض و يؤيد ما ذكرنا انّه يطلق عليه حتّي في زمان نومه و غفلته.

ثمّ انّه لا اشكال في اشتراط العدالة بعدم كون الشخص مرتكبا للكبيرة و انّما الكلام في انّ الصّغيرة تضرّ بالعدالة أم لا؟ المعروف بين القوم ظاهرا انّ الصغيرة لا تضرّ و المستفاد من كلام المصنّف عدم الفرق بين الكبيرة و الصغيرة و ينبغي أن يبحث أوّلا: في مقتضي القاعدة الأوّلية و ثانيا: فيما يمكن أن يكون وجها لكلام القوم في المقام فنقول: مقتضي القاعدة ما أفاده المصنّف فانّ الانحراف عن الجادة مخلّ بالعدالة بلا فرق بين الكبيرة و الصغيرة و هذا أمر ظاهر لا سترة عليه و الّا يلزم الخلف و ما يمكن أن يكون وجها لكلام القوم امور:

منها: ما يستفاد من رواية ابن أبي يعفور «1» من انّ الميزان الاجتناب عن الكبائر و الحديث و إن لم يكن تاما باحد سنديه لكن يكون معتبرا بسنده الآخر و أما من حيث الدلالة فإنه يدل علي انّ العدالة تتحقق باجتناب الكبائر.

و منها: انّه يستفاد من قوله تعالي: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ) «2» بتقريب

انّ الشخص لو انتهي عن الكبيرة لا يؤخذ بارتكاب الصغيرة؛ و يرد عليه:

أوّلا: انّه لا يقتضي كون المرتكب عادلا بل غايته انّ الشخص لا يكن

______________________________

(1) لاحظ ص 97.

(2) النساء: 31.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 100

______________________________

مؤاخذا و هذا أمر آخر؛ و بعبارة اخري: انّ الميزان في العدالة كون الشخص علي الجادة و المرتكب للصغيرة لا يكون علي الجادة بلا اشكال.

و ثانيا: انّه لو كان الامر تامّا فلا وجه للتفريق بين الاصرار و عدمه فانّ هذا التفصيل لا دليل عليه.

و ثالثا: انّه لو اغمض عمّا ذكر فلا طريق الي احراز هذا المعني إذ المستفاد من الآية بحسب الاطلاق انّ المكلّف لو انتهي عن الكبيرة مطلقا يكفر عنه سيّئاته و من الممكن انّه يرتكب الصغيرة فيما بعد فالتمسّك بها يكون في الشبهة المصداقيّة.

إن قلت: مقتضي الاستصحاب الاستقبالي عدم الارتكاب.

قلت: أيّ أثر يترتب علي هذا الاستصحاب فانّه يلزم ان يتحقّق بهذا الاستصحاب العفو الالهي و بعد تحقّق العفو نحكم بكونه عادلا و من الظاهر انّ العفو الالهي ليس حكما شرعيا بل امر خارجي و لا يثبت الّا علي القول بالمثبت الّذي لا نقول به؛ و سيّدنا الاستاد استشكل في الاستصحاب بانّ الأصل في طرف الواجبات علي العكس؛ فانّ مقتضي الاصل عدم الاتيان؛ و يمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بانّ المذكور في الآية الكريمة الاجتناب عن المنهيات و الواجبات ما نهي عنه بل امر به فالاشكال غير وارد.

الثالث: انّ الصّغيرة امّا يؤتي بها مع العمد و بلا عذر و امّا يؤتي بها عن غير عمد و عن عذر مقبول عرفي فان كان من قبيل الاوّل فهو مضرّ و الّا لا يضرّ.

و يرد عليه:

انّه إن كان العذر عذرا شرعيّا يكون رافعا للعصيان حتّي في أعظم الكبائر و إن لم يكن شرعيّا فلا يؤثّر حتّي في أصغر الصغائر و المسامحات العرفية لا يعبأ بها و الّا يلزم أن يتسامح في التحديدات الشرعيّة كالكرّ و المسافة فيما

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 101

و تعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علما أو ظنّا (1).

______________________________

يتسامح فيه العرف و السرّ فيه: انّ الظهورات حجّة و العرف محكّم في تعيينها فلو علم الموضوع بحسب الظهور فلا بدّ من احرازه و لا معني للمسامحة فانّ العرف يعترف انّ المطلوب الشرعي ذلك الأمر الخاصّ و مع اعترافه بذلك كيف يكون التسامح مؤثّرا و لذا لا يتسامحون في التحديدات مع الموالي العرفيّة؛ فانقدح بما ذكرنا انّ الحقّ انّ ارتكاب الصغيرة لا يضرّ بالعدالة بمقتضي حديث ابن أبي يعفور.

و علي تقدير تسليم ما عليه القوم فلا وجه للتفصيل بين الاصرار و عدمه.

انّما الكلام في اشتراطها بمراعات المروّة فانّه ربما يقال: بانّ الاتيان بما ينافي المروّة يوجب سلب العدالة؛ و الحقّ انّ هذا الأمر و إن كان ممكن ثبوتا فانّه لا مانع من جعل الشارع قيدا في موضوع الحكم لكن لا دليل عليه في مقام الاثبات؛ و ملخّص الكلام: انّ خلاف المروّة أن وصل الي حدّ يكون مخالفا للشرع يكون موجبا لسلب العدالة و الّا فلا.

و ربما يتمسّك بما في رواية ابن أبي يعفور من قوله عليه السلام «و الدّلالة علي ذلك كلّه أن يكون ساترا لجميع عيوبه» و فيه: اوّلا: انّ الظاهر من هذه الكلمة انّ الستر معرّف و كاشف في مقام الاثبات لا انّه دخيل ثبوتا و ثانيا: انّ الظاهر منه انّ العيب

اريد منه الشرعي منه لا المطلق.

و ربما يقال: بانّ من لا يبالي من الناس يكون غير مبال عن اللّه؛ و هذا فاسد من أصله فانّ المناط مختلف.

(1) و امّا المقام الثاني: فيقع فيما تعرف به العدالة فهل يكون حسن الظاهر كاشفا عن العدالة أم لا؟ الّذي يستفاد من جملة من الروايات الواردة في باب (41 من أبواب الشهادات) انّ حسن الظاهر كاشف عن العدالة؛ لكن الذي يستفاد من

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 102

______________________________

هذه الروايات انّه يكفي في الشاهد حسن الظاهر و لا يستفاد منها انّ العدالة تنكشف بحسن الظاهر.

إن قلت: لا اشكال في اعتبار العدالة في الشاهد.

قلت: هب انّ الأمر كذلك لكن يمكن أن الشارع الأقدس لمصلحة اكتفي في مقام كشف العدالة بأمر و حيث انّ الحجيّة تحتاج الي الدليل لا يمكننا التعدّي؛ و إن شئت قلت: المستفاد من هذه الروايات انفاذ الشهادة بحكم الشارع في مورد خاص و امّا جواز الصلاة خلف الشخص بهذا المقدار فيحتاج الي دليل مفقود فتحصّل انّ حسن الظاهر بما هو لا أثر له الّا أن يكون مفيدا للعلم أو الظنّ الاطميناني المعبّر عنه بالعلم العادي و الّا مجرّد الظنّ فلا يغني من الحقّ شيئا و لا يبعد أن يكون كلام الماتن ناظرا الي ما ذكرنا و الّا يتوجّه عليه الاشكال.

نعم المستفاد من حديثي ابن أبي يعفور «1» و سماعة: انّ الشخص اذا كان معاشرا و عرف منه انّه لا يرتكب المعصية انّه يحكم بعدالته؛ لاحظ ما رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم؛ و حدّثهم فلم يكذبهم؛ و وعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته؛ و

كملت مروته و ظهر عدله؛ و وجبت اخوته «2».

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام الاستاد من الاكتفاء بحسن الظاهر و عدم الحاجة الي المعاشرة إذ نتيجة ما قلناه انّ المعاشرة مقومة لكشف العدالة؟ فلاحظ؛ نعم حسن الظاهر إذا كان مفيدا للعلم أو الاطمينان يكون مؤثرا و يترتّب عليه الأثر.

______________________________

(1) لاحظ ص 97.

(2) الوسائل: الباب 152، من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 103

و تثبت بشهادة العدلين (1)، و بالشّياع المفيد للعلم (2).

______________________________

(1) لا اشكال في حجيّة شهادة العدلين فانّها حجّة عند العقلاء و قد امضاها الشارع و قد مرّ بعض الكلام في بعض الأبحاث المتقدّمة بل قلنا بانه يكفي شهادة العدل الواحد بل يكفي شهادة الثقة الواحد الّا أن يتصرّف الشارع كما تصرّف في بعض الموارد.

و ما يمكن أن يقال: بانّ العدالة أمر باطني غير حسّي و لا يمكن اقامة الشهادة عليه؛ مدفوع بانّ الأمر غير الحسّي إذا كان قريبا من الحسّ من جهة آثاره يكون قابلا للشهادة و الّا ينسدّ باب الشهادة علي الصفات النفسانيّة كالاجتهاد مثلا و هو كما تري؛ مضافا الي انّه يمكن اقامة الشهادة علي حسن ظاهره عند من يعاشره.

و أفاد الاستاد في المقام بانّه لا شبهة في انّه لا فرق في الشهادة بين الشهادة القوليّة و الفعليّة؛ فلو رأينا انّ عدلين اقتديا بامام جماعة يجوز لنا الاقتداء به أيضا لإقامة الحجّة؛ و يرد عليه: انّه يشترط في الشهادة أن تكون حسيّة و من الظاهر انّ اقتدائهما لا دلالة فيه بانّهما استكشفا عدالة الامام عن حسن و الحال انّه يحتمل أن يكون عن حدس فلا يتمّ الأمر.

(2) العلم حجّة ذاتيّة كما

انّ الاطمينان حجّة عقلائيّة امضاها الشارع ففي كلّ مورد حصل العلم أو الاطمينان يكون حجّة بلا فرق بين الموارد و بين الاسباب؛ غاية الأمر الثبوت في الأوّل ذاتي و في الثاني جعلي؛ فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 104

[إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب علي المقلّد العدول]

(مسألة 24): إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب علي المقلّد العدول الي غيره (1).

[إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضي عليه برهة من الزّمان كان كمن لم يقلّد أصلا]

(مسألة 25): إذا قلّد من لم يكن جامعا و مضي عليه برهة من الزّمان كان كمن لم يقلّد أصلا فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر (2).

[إذا قلّد من يحرّم البقاء علي تقليد الميّت فمات و قلّد من يجوّز البقاء له أن يبقي علي تقليد الأوّل في جميع المسائل الّا مسئلة حرمة البقاء]

(مسألة 26): إذا قلّد من يحرّم البقاء علي تقليد الميّت فمات و قلّد من يجوّز البقاء له أن يبقي علي تقليد الأوّل في جميع المسائل الّا مسئلة حرمة البقاء (3).

______________________________

(1) قد مرّ البحث عن هذه الجهة و قد ذكرنا انّ اشتراط البقاء لا دليل عليه؛ فلا نعيد.

نعم الاحتياط طريق النجاة.

(2) فانّه لو لم يكن واجدا للشرط يكون كالعدم طبعا غاية الأمر يفرق بين القاصر و المقصّر في العقاب؛ و أمّا من ناحية الاجزاء فقد مرّ بانّ الأصل الأوّلي عدم الاجزاء الّا أن يثبت من الخارج ما يقتضيه كقاعدة لا تعاد و علي كلّ حال قد مرّ التفصيل و لا وجه للإعادة.

(3) فانّه لا يمكن الجمع في البقاء بين الفرعين إذ البقاء علي مسألة حرمة البقاء يستلزم عدم البقاء في بقيّة المسائل كما انّ البقاء في بقيّة المسائل يستلزم عدم البقاء في مسألة حرمة البقاء فلا بدّ من اختيار أحد الأمرين و حيث انّ البقاء في مسألة حرمة البقاء غير جائز قطعا يتعيّن الآخر.

بيان ذلك: انّ الحجيّة تتوقّف علي احتمال المصادفة مع الواقع و البقاء علي التقليد امّا جائز و امّا حرام؛ امّا علي الأوّل فالقول بالحرمة مخالف للواقع و امّا علي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 105

[يجب علي المكلّف العلم بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدّماتها]

(مسألة 27): يجب علي المكلّف العلم بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدّماتها و لو لم يعلمها لكن علم اجمالا انّ عمله واجد لجميع الاجزاء و الشرائط و فاقد للموانع صحّ و إن لم يعلمها تفصيلا (1).

______________________________

الثاني فلا يجوز البقاء كما انّ مقتضي السّيرة كذلك فانّ السيرة امّا لا تفرق بين الحيّ و الميّت و امّا يسقط الميّت و امّا يشك في

شمولها لقول الميّت امّا علي الأوّل فقول الميّت بالحرمة ساقط من حيث السيرة و مع الشك لا مجال للعمل بقول الميّت و مع سقوط قول الميّت لا مجال للبقاء؛ فقول الميّت بالحرمة ساقط علي جميع التقادير.

(1) هذا الوجوب وجوب عقلي لدفع الضرر المحتمل و بعبارة اخري:

تارة لا يتوقّف وجود الواجب في الخارج علي التعلّم و كذلك لا يتوقّف احرازه عليه فلا يجب التعلّم قطعا إذ قد سبق انّه لا يجب التمييز و انّما اللازم الاتيان بما هو واجب في الخارج و امّا لو فرض انّه لا يحصل له العلم بالفراغ الّا مع التعلّم أو لا يتحقّق ذلك الأمر في الخارج الّا بالتعلّم فلا بدّ منه لأنّ المفروض انّ التعلّم مقدّمة احرازيّة أو وجوديّة فيجب كي يأمن من العقاب و لكن لا يخفي انّ هذا المقدار من الادراك العقلي لا يقتضي التعلّم قبل وقت الواجب أو قبل حصول الشرط بل يكفي التعلّم بعد مجي ء زمان الواجب كما هو ظاهر؛ انّما الكلام فيما لا يتمكّن من التعلّم بعد حضور وقت الواجب و في هذا الفرض تارة يكون الملاك تامّا و المكلّف قادر علي الاتيان بالواجب غاية الأمر ليس له طريق لإحرازه و اخري لا يتمكّن كالقراءة إذ لا يمكن الاتيان بها الّا أن يتعلّم من قبل امّا في الصورة الأولي فلا شبهة في وجوب التعلّم إذ يعلم بوجود الملاك فانّه مع وجود الملاك يكون روح التكليف موجودا غاية الأمر يكون الخطاب ساقطا لكونه لغوا انّما الاشكال في الصّورة الثانية إذ المفروض انّه لا قدرة علي الاتيان في وقته فلا خطاب و لا ملاك و لا يلزم ايجاد

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص:

106

______________________________

الشرط علي المكلّف فايّ دليل علي وجوب التعلّم من قبل و نسب الي الأردبيلي انّ وجوب التعلّم نفسي لا طريقي و لكنّ الادعاء المذكور خلاف الظّاهر؛ لاحظ ما رواه مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد عليه السلام و قد سئل عن قوله تعالي (فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ) فقال: ان اللّه تعالي يقول للعبد يوم القيامة: عبدي كنت عالما فان قال نعم قال له: أ فلا عملت بما علمت و إن قال كنت جاهلا قال: أ فلا تعلّمت حتي تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة «1» فان المستفاد من هذه الرواية الوجوب الطريقي.

فالنتيجة: انّه لا دليل علي وجوب المقدّمات المفوّتة نفسيا لا في المقام و لا في غيره من المقامات؛ بل الحقّ ان التعلّم واجب بالوجوب الطريقي بمقتضي الحديث و مقتضي اطلاقه الوجوب حتّي فيما يكون كذلك فظهر انّ التعلّم واجب طريقي لا نفسي؛ هذا كلّه مع العلم بالابتلاء.

و امّا لو شك في ابتلائه و عدمه فأفاد سيّدنا الاستاد بانّ البراءة العقليّة لا تجري إذ ليس علي المولي الّا بيان الأحكام و علي العبد أن يفحص فلا تجري البراءة.

و فيه: انّ الشبهة موضوعيّة و لا مجال لما أفاده؛ نعم بمقتضي ادلّة وجوب التعلّم لا تجري البراءة الشرعيّة فلا تجري العقليّة أيضا.

______________________________

(1) تفسير البرهان: ج 1 ص 560.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 107

[يجب تعلّم مسائل الشك و السهو]

(مسألة 28): يجب تعلّم مسائل الشك و السهو (1).

______________________________

(1) قد ذكرنا انّه لو أمكن الامتثال الإجمالي لا يجب التفصيلي فانّ الميزان بتحقّق المأمور به بأيّ نحو كان و عليه فلو لم يكن المكلّف عالما بمسائل الشك و السهو و أمكنه الامتثال و لو بتكرار الصلاة جاز و هذا

علي فرض عدم حرمة ابطال الصلاة أمر ظاهر و امّا لو استلزم ابطال الصلاة يشكل الأمر من هذه الناحية و معناه عدم الامكان إذ الممنوع الشرعي كالممتنع العقلي؛ فعليه تارة يكون المكلّف جازما بعدم ابتلائه بمسائل الشك و السّهو و اخري يكون عالما بابتلائه و ثالثة يشك امّا علي الأوّل فلا شبهة في عدم لزوم التعلّم و الوجه فيه ظاهر كما انّه علي الثاني يلزم التعلّم أيضا و الوجه فيه ظاهر و امّا في صورة الشك فهل يكون مجال لاستصحاب عدم الابتلاء أم لا.

لا يخفي انّه تارة يعلم علما اجماليا بالابتلاء و اخري ليس له علم اجمالي امّا علي الأوّل فلا مجال للأصل لعدم جريانه في اطراف العلم الإجمالي و امّا علي الثاني فالظاهر انّه لا مانع لجريانه في حدّ نفسه إذ قد حقّق في بحث الاستصحاب انّ المجعول فيه الطريقيّة و عبرنا بانّه امارة حيث لا امارة و انّه يكفي في جريانه ترتّب أثر عليه امّا شرعا و امّا عقلا و في المقام الأثر العقلي موجود و هو عدم لزوم التعلّم بحكم العقل لكن هذا مع قطع النظر عن دليل وجوب التعلّم و امّا مع لحاظه فالظاهر انّه يجب فانّ اطلاق دليل وجوب التعلّم يقتضيه و مع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة الي الأصل.

إن قلت: فعليه لو قامت بيّنة علي عدم الابتلاء لا بدّ من الالتزام بالوجوب أيضا إذ لا فرق بين الامارة و الاستصحاب علي هذا المبني.

قلت: فرق بينهما من ناحية و هي انّ الامارة طريق في أمور الشك

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 108

بالمقدار الّذي هو محلّ الابتلاء غالبا (1) نعم لو اطمئنّ من نفسه انّه

لا يبتلي بالشك و السهو صحّ عمله و إن لم يحصل العلم باحكامها (2).

______________________________

و الاستصحاب موضوعه الشك و مع وجود الاطلاق لا يشك المكلّف في توجّه التكليف الطريقي اليه و إن شئت قلت: لا بدّ من احتمال الابتلاء كي يتوجّه الحكم الطريقي إذ مع القطع بعدم الابتلاء لا يجب التعلّم فانّه ليس واجبا نفسيّا و مع وجود البيّنة لا يكون الاحتمال موجودا حيث انّ من قام عنده الامارة لا يكون شاكا و امّا الاستصحاب فهو طريق في ظرف الشك و الاحتمال و مع الاحتمال المرجع اطلاق دليل الوجوب؛ و ليس موردا للاستصحاب لاحظ ما رواه مسعدة بن زياد «1»؛ اللهمّ إلّا أن يقال: انّه علي القول بكون الاستصحاب امارة كما هو المفروض لا مجال لهذا البيان إذ مع الاستصحاب لا يكون المكلّف شاكا فلا وجه للتفصيل.

و يختلج بالبال أن يقال: ما المانع عن القول بانّ المكلّف حين الشروع في الصلاة يقصد الدخول في الصلاة بشرط عدم ابتلائه بمسائل الشك و السّهو و عليه لو لم يتّفق الشك أو السهو تكون صلاته صحيحة تامّة و امّا لو شك فيعلم انّه لم يكن قاصدا للصلاة.

(1) لا اعتبار بالغلبة فانّ الميزان في الوجوب العلم أو الاحتمال.

(2) قد ظهر الوجه فيه فانّ وجوب التعلّم و عدمه أمر و صحّة العمل أمر آخر فانّ المناط في صحّة العمل مطابقته للمأمور به.

بقي شي ء: و هو انّه نسب الي الشيخ الأنصاري قدّس سرّه انّ تارك التعلّم فاسق و الذي يمكن أن يقال في وجهه أمور:

______________________________

(1) لاحظ ص 106.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 109

[كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبّات و المكروهات و المباحات]

(مسألة 29): كما يجب التقليد في الواجبات و المحرّمات يجب في المستحبّات و

المكروهات و المباحات بل يجب تعلّم حكم كلّ فعل يصدر منه سواء كان من العبادات أو المعاملات أو العاديّات (1).

______________________________

الأوّل: انّ التجرّي حرام من المحرّمات و فيه: انّه لا يمكن الالتزام به إذ لا دليل عليه؛ نعم التجرّي موجب لصحّة العقاب بحكم العقل فانّ المتجرّي لا ينقاد للمولي.

الثاني: انّ العدالة عبارة عن الملكة و كيف يمكن أن تكون الملكة موجودة و الشخص يتجرّي و بعبارة اخري: كيف يمكن أن يرتكب أمرا مع احتمال أن يكون عصيانا؟ فلا يكون عادلا و هذا هو الصحيح إذ قلنا انّ العدالة عبارة عن كون الشخص علي الجادة و معناه انّ اعماله علي الموازين المقرّرة و مع احتمال الابتلاء كيف يترك التعلّم مع انّه لا مجوّز للترك بل الحكم الطريقي معناه الزام المكلّف بالعمل للوصول الي المقصود و لا شبهة في انّ مثل هذا الشخص لا يطلق عليه انّه علي الجادّة فانّه لا يبالي و لا يمتثل الحكم الشرعي؛ و بعبارة اخري: انّه متمرّد إذا ترك الامتثال فانّ العصيان يتحقّق بترك الامتثال و إن لم يكن محرّما بمعني المبغوضيّة للمولي و هذا الوجه حسن.

الثالث: أن يكون التعلّم واجبا بالوجوب النفسي و فيه: انّ هذا المبني باطل من أصله.

(1) الميزان الكلّي انّ المكلّف لا بدّ أن يستند في كلّ ما صدر عنه الي حجّة ذاتيّة أو غيرها اجتهادا كان أو تقليدا؛ و بعبارة أخري: لو احتمل وجوب شي ء لا بدّ من الاتيان به الّا مع الحجّة علي الخلاف كما انّه لو احتمل حرمة شي ء لا بدّ من تركه الّا مع الحجّة علي عدمها و هذا هو الميزان الجاري في جميع الموارد.

ثمّ انّه لم يعلم الوجه في ذكر ما بعد كلمة بل

الاضرابيّة فانّه ليس مفاده غير ما

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 110

[إذا علم انّ الفعل الفلاني ليس حراما و لم يعلم انّه واجب أو مباح أو مستحبّ أو مكروه يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثّواب]

(مسألة 30): إذا علم انّ الفعل الفلاني ليس حراما و لم يعلم انّه واجب أو مباح أو مستحبّ أو مكروه يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثّواب و إذا علم انّه ليس بواجب و لم يعلم انّه حرام أو مكروه أو مباح له أن يتركه لاحتمال كونه مبغوضا (1).

[إذ تبدّل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد البقاء علي رأيه الاوّل]

(مسألة 31): إذ تبدّل رأي المجتهد لا يجوز للمقلّد البقاء علي رأيه الاوّل (2).

[إذا عدل المجتهد عن الفتوي الي التوقّف و التردّد يجب علي المقلّد الاحتياط أو العدول]

(مسألة 32): إذا عدل المجتهد عن الفتوي الي التوقّف و التردّد يجب علي المقلّد الاحتياط أو العدول الي الأعلم بعد ذلك المجتهد (3).

______________________________

ذكره أوّلا؛ و الأمر سهل جدّا.

و ممّا ذكرنا: علم الحال في المسألة التالية.

(1) ما أفاده ظاهر واضح و لا مجال للبحث حوله؛ فلاحظ.

(2) إذ لا رأي له حتّي يقلّده و هذا واضح لا ريب فيه.

(3) فانّه مع تردّده ليس له رأي و لا دليل علي اعتبار ما أفتي به قبلا؛ و إن شئت قلت: لو قلنا بانّ العنوان المعتبر في المرجع يشترط الفعليّة فيه حيّ بقاء فالأمر ظاهر إذ المفروض عدم بقائه و عدم كونه عالما و فقيها و إن قلنا بأنّه يكفي الحدوث للبقاء فأيضا الأمر كذلك لانصراف الدّليل و عدم السيرة في مثل هذه الموارد.

و بعبارة ثالثة: انّ قوله غير حجّة بالنسبة الي نفسه فكيف بغيره و يمكن تقرير المدّعي بانّه مع التردّد ينكشف خطائه في اجتهاده و مجرّد احتمال مصادفته مع الواقع لا يكفي. و ملخّص الكلام انّه مع تبدّل الرّأي يري خطائه و اشتباهه فيما افتي به فلا معني لكونه حجّة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 111

[إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء]

(مسألة 33): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلّد تقليد أيّهما شاء و يجوز التبعيض في المسائل (1) و إذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولي بل الأحوط اختياره (2).

[إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّي الي الأعلم ثمّ وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول]

(مسألة 34): إذا قلّد من يقول بحرمة العدول حتّي الي الأعلم ثمّ وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول الي ذلك الأعلم و ان قال الأوّل بعدم جوازه (3).

______________________________

(1) قد مرّ بيان الحال فيما سبق؛ فانّه مع عدم العلم بالاختلاف يجوز أن يقلّد ايّهما شاء بلا فرق بين أن يكون احدهما أعلم و بين عدم العلم به؛ و امّا مسألة التخيير فلا أساس له؛ نعم لو قلنا بالتخيير و لو مع العلم بالمخالفة لا يجوز التبعيض فيما يستلزم بطلان العمل علي رأي كليهما.

(2) قد مرّ انّه لا وجه للترجيح بالأورعيّة و أمّا الترجيح بالعدالة فلا نفهم معناه فانّه امّا أن يرجع الي الأورعيّة و امّا لا معني له و علي كلا التقديرين فيه ما فيه و علي جميع التقادير لا وجه للترجيح.

(3) تارة نفرض صورة عدم العلم بالمخالفة و أخري نفرض صورة العلم بالخلاف؛ امّا علي الأوّل فيجوز له تقليد غير الأعلم بفتوي الأعلم بالجواز فانّ المجوّز لتقليده من أوّل الأمر مع وجود الأعلم، فتوي الأعلم و امّا مع العلم بالخلاف فلا اشكال في وجوب العدول و علي كلا التقديرين لا أثر لفتوي غير الأعلم.

و ملخّص الكلام: انّه مع عدم العلم بالمخالفة يجوز الاستدامة كما يجوز الابتداء و أمّا مع العلم بالخلاف لا يجوز الابتداء كما لا يجوز الاستدامة و ذلك للسيرة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 112

[إذا قلّد شخصا بتخيّل انّه زيد فبان عمروا فإن كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن علي وجه التقييد صحّ]

(مسألة 35): إذا قلّد شخصا بتخيّل انّه زيد فبان عمروا فإن كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن علي وجه التقييد صحّ و الّا فمشكل (1).

______________________________

و أيضا مقتضي الدوران بين التعيين و التخيير هو الأوّل لأنّ الكلام في مرحلة الامتثال؛ نعم لو

احتمل تعيّن البقاء لا بدّ من العمل بالاحتياط فالواجب عليه الأخذ بأحوط القولين؛ هذا بالنسبة الي المقلّد و امّا المجتهد فوظيفته الافتاء بالرجوع الي الأعلم مع العلم بالمخالفة و جواز الرّجوع الي ايّهما شاء مع عدم العلم و ذلك لسقوط الادلّة عن الحجيّة مع العلم بالخلاف فانّ مقتضي السيرة الرجوع الي الأعلم مع العلم بالخلاف؛ نعم لو لم يحرز السيرة يكفي لتعيين تقليد الأعلم الأصل و لو احتمل تعيّن البقاء و حرمة العدول يلزم الافتاء بالاحتياط.

(1) الظاهر انّه لا يتصوّر التقييد في أمثال المقام إذ الجزئي الخارجي لا يتقيد و هذا ظاهر فلا يتصوّر الّا الداعي؛ و ما أفاده سيّد المستمسك بانّ هذا الاشكال لا يجري في الصورة الذهنيّة فانّ ما ليس قابلا للتقييد هو الوجود الخارجي و امّا الصورة الذهنيّة فهي قابلة للتقييد غير تامّ إذ التقييد دائما يتعلّق بالماهيّة و الماهيّة انما تصير جزئيّة بالوجود فلا يعقل أن تتقيّد بقيد و هذا ظاهر لكنّ الحقّ ان التعليق لا مانع منه فانّ التقليد عبارة عن العمل مستندا الي قول الغير و الاستناد اختياريّ ففي الحقيقة في صورة الخلاف لم يتحقّق الاستناد فلا مجال لان يقال بانّ ما وقع لم يقصد كي يقال بانّ الوقوع كاف في الصحّة فيما يكون علي الموازين بحسب الواقع كما عليه الاستاد بل لا بدّ من أن يقال بانّه لم يقع التقليد كما لو علّق البيع علي كون المبيع بقرا فبان فرسا و هذا دقيق و بالتأمّل حقيق.

و لا يخفي: انّ البحث المذكور لا يترتّب عليه أثر إذ بعد تماميّة العمل لا بدّ أن

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 113

[فيما تعلم به فتوي المجتهد]

(مسألة 36): فتوي المجتهد تعلم

بأحد الأمور الأوّل أن يسمع منه شفاها (1) الثاني أن يخبر بها عدلان (2) الثالث اخبار عدل واحد (3).

______________________________

يستند المكلّف بقاء الي فتوي من يجوز له تقليده فنقول: المجتهد امّا يكون واحدا أو يكون متعدّدا و علي الثاني امّا يكون احدهما أعلم من الآخر و امّا يكونان متساويين و علي جميع التقادير امّا أن يعلم بالاختلاف في البين في الفتوي و امّا لا يعلم به امّا لو كان واحدا فلا بدّ من متابعة رأيه فان حكم بالصحّة و الّا يعيد إن كان في الوقت و يقضي إن كان خارج الوقت و امّا مع التعدّد و عدم العلم بالاختلاف يقلّد عمّن شاء منهما و امّا مع العلم بالاختلاف فمع التساوي في الفضيلة يأخذ بأحوط القولين و إن كان أحدهما أعلم يقلّده و ملخّص الكلام انّ التعليق أمر معقول كما ذكرنا لكن لا فرق بينه و التقييد في النتيجة كما هو ظاهر فلا تغفل.

(1) هذا فيما يكون ثقة فيكون قوله حجّة من باب حجيّة قول الثقة في الموضوعات؛ و امّا في كلام سيّدنا الاستاد من انّه داخل في الأخبار عن الامام عليه السلام فيرد عليه: بانّ الأخبار عن الامام عليه السلام لا بدّ أن يكون عن حسّ و المجتهد اخباره عن الامام عليه السلام حدسي كما انّ الاستدلال بالسيرة بانّهم يعملون بقول أهل الخبرة ليس تامّا فانّ الميزان بالوثاقة و لولاها ليس دليل علي حجيّة قوله و لو كان من أهل الخبرة فانّ العمل بقول أهل الخبرة يتوقّف علي الأمن من الخيانة و الكذب نحو من الخيانة؛ و الأخبار الواردة التي ارجعت الي الرّواة انّما دلّت علي العمل باجتهادهم و فتواهم و ليس فيها تعرّض بحجيّة قول

الشخص في اخباره عن رأيه حتّي مع عدم الوثوق به.

(2) إذ قول العدلين حجّة كما مرّ و لا اشكال فيها.

(3) لم أفهم وجه التفرقة بين العدل الواحد و الثقة فانّ الظاهر انّه قدّس سرّه ممن يري

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 114

بل يكفي اخبار شخص موثّق يوجب قوله الاطمينان و إن لم يكن عادلا (1).

______________________________

تحقّق البيّنة بالعدلين و عليه فما الدليل علي حجيّة قول العدل الواحد الّا أن تقول بانّ السيرة قائمة علي العمل بقول العادل في الموضوعات.

(1) لا يتوقّف حجيّة قوله علي حصول الاطمينان و الّا يكفي و لو لم يكن ثقة فانّ الاطمئنان حجّة عقلائية.

و ربّما يقال: كما في كلام الاستاد و سيّد المستمسك من انّه يشمله ما دلّ علي حجيّة قول الثقة في الأحكام بتقريب انّ الأخبار عن الفتوي اخبار عن الحكم الكلّي؛ و يرد عليه: انّ الأخبار عن الحكم الكلّي لا بدّ من أن يكون عن حسّ و في المقام ليس اخبارا عن الحكم الكلّي حتي عن حدس لأنّه يمكن اشتباه المجتهد في استنباطاته و لا يقاس الأخبار عن الاجتهاد أو الفتوي بالاخبار عن قول الامام عليه السلام إذ المفروض انّ الأخبار عن قول الامام عليه السلام حجّة و يثبت بدليل الحجيّة و بعد ما ثبت يحصل للمجتهد حدس بالنّسبة الي الحكم الكلّي و في المقام المنقول ليس كلام الامام عليه السلام.

و ملخّص الكلام انّ الملازمة بين كلام زرارة المنقول عن الامام عليه السلام و بين ذلك اللازم أمر جزمي و في المقام ليس كذلك لاحتمال اشتباه المجتهد.

إن قلت: الأصل عدم كونه مشتبها.

قلت: هذا الأصل لا يقتضي كون قوله في اسناده الحكم الي الامام عليه السلام

حسيّا؛ و ملخّص الكلام: تارة نبحث في حجيّة قول المفتي في افتائه و اخري في أخباره حسيّا عن الامام عليه السلام امّا بالنسبة الي الجهة الأولي فقد تقدّم الكلام في أدلّة اعتبار فتواه و رأيه و امّا الجهة الثانية فلا تشملها ادلّة حجيّة الأخبار و الشهادة؛ فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 115

الرابع: الوجدان في رسالته و لا بدّ أن تكون مأمونة من الغلط (1).

[إذا قلّد من ليس له اهليّة الفتوي ثمّ التفت وجب عليه العدول]

(مسألة 37): إذا قلّد من ليس له اهليّة الفتوي ثمّ التفت وجب عليه العدول (2) و حال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل الغير المقلّد (3) و كذا إذا قلّد غير الأعلم وجب علي الأحوط العدول الي الأعلم (4).

و إذا قلّد الأعلم ثمّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول الي الثاني علي الأحوط (5).

[إن كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن التعيين فان أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط]

(مسألة 38): إن كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن التعيين فان أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط و الّا كان مخيّرا بينهما (6).

______________________________

(1) فانّ انتساب الرسالة امّا باخباره كما هو المتداول بأن يكتب في أوّلها و امّا باخبار عدلين أو عدل واحد أو ثقة كذلك و الوجه في الكلّ يظهر ممّا مرّ؛ فلاحظ.

(2) فانّ الوجه فيه ظاهر إذ المفروض انّه غير واجد للشرائط.

(3) إذ المفروض انّه لم يكن عمله مستندا الي وجه صحيح فوجوده كالعدم؛ فلو كان مطابقا للمأمور به يكون صحيحا و الّا يكون فاسدا الّا بطريق ثانوي كقاعدة لا تعاد و يجي ء الكلام إن شاء اللّه تعالي حول المسألة.

(4) مع فرض العلم بالخلاف يجب العدول و مع عدم العلم بالخلاف لا وجه للعدول كما مرّ.

(5) بل علي الأقوي لما تقدم؛ فلاحظ.

(6) الظاهر انّه فرض العلم بالاختلاف بين القولين و في مثله لا بدّ من الأخذ بالاحتياط لعدم حصول الأمن بغيره و مع امكانه لا أثر للظن بالأعلميّة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 116

[إذا شكّ في موت المجتهد أو في تبدّل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء]

(مسألة 39): إذا شكّ في موت المجتهد أو في تبدّل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء الي أن يتبيّن الحال (1).

[إذا علم انّه كان في عباداته بلا تقليد مدّة من الزمان]

(مسألة 40): إذا علم انّه كان في عباداته بلا تقليد مدّة من الزمان و لم يعلم مقداره فان علم بكيفيّتها و موافقتها للواقع أو لفتوي المجتهد الذي يكون مكلّفا بالرّجوع اليه فهو و الّا فيقضي المقدار الّذي يعلم معه بالبراءة علي الأحوط و إن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقّن (2).

______________________________

لعدم اعتباره و امّا مع عدم امكان الاحتياط فليس له الّا الأخذ بأحدهما و في هذا الفرض لا يبعد أن يكون الرّجحان في طرف يظنّ كونه أعلم أو يحتمل، فانّه أقرب الي الواقع في نظر العقل.

(1) للاستصحاب و عدم وجوب الفحص في الموضوعات؛ فلاحظ.

(2) الكلام في المقام يقع في موضعين:

الموضع الأول: في أنّه في أيّ مورد لا بدّ من القضاء أو الاعادة.

الموضع الثاني: في أنّه بعد البناء علي فساد العمل و لزوم القضاء أي مقدار لا بدّ من قضائه هل يلزم الاتيان بالمتيقّن أو يلزم الاتيان بحدّ يقطع له بالبراءة؛ امّا الموضع الأوّل فنقول القاعدة الكلّية الأوّلية يقتضي عدم اجزاء غير المأمور به عنه فانّه كما انّ الاجزاء في صورة المطابقة عقلي و قهري كذلك عدم الاجزاء في صورة المخالفة أمر عقلي و قهري و الميزان في تشخيص المخالفة و الموافقة قول المجتهد الفعلي الّذي يكون مقتضي القاعدة الرجوع اليه و هذا الذي ذكرنا لا فرق فيه بين أن يكون العمل السابق مستندا الي تقليد صحيح أو غير صحيح أو لم يكن عن تقليد؛ و القول

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 117

______________________________

بالأجزاء يحتاج

الي دليل خارجي كما ادعي الاجماع علي انّه لا يجب الاعادة في موارد تبدّل الرّأي و العدول عن مجتهد الي غيره فالميزان الكلّي عدم الأجزاء الّا مع دليل خارجي يقتضي الأجزاء و في باب الصلاة ببركة حديث لا تعاد يحكم بعدم الاعادة و القضاء في غير الموارد المستثناة كالأركان مثلا.

غاية الأمر في المقام اشكال: و هو ما بني عليه الميرزا النائيني قدّس سرّه من اختصاص القاعدة بالناسي و عدم شمولها للجاهل القاصر و المقصّر بدعوي انّ حديث لا تعاد انّما متوجّه الي من يكون تكليفه الاعادة و القاعدة تنفي توجّه خطاب اعد و هذا يتصوّر في الناسي إذ الناسي حين النسيان لا يتوجّه اليه التكليف و بعد الالتفات يقال له أعد و القاعدة تنفي الاعادة و امّا الجاهل فليس كذلك إذ الجاهل يتوجّه اليه اصل التكليف لا الاعادة و ما أفاده مدفوع:

أوّلا: بأنّ ما ذكره لا يتمّ الّا في الملتفت و امّا في غيره فلا يتمّ ما ذكره.

و ثانيا: انّه لو فرض انّه صلّي و دخل في الركوع فانه يخاطب بخطاب اقرء أو لا يخاطب امّا علي الأوّل فيلزم أن لا يكون الركوع مضرّا و امّا علي الثاني فامّا يشمله حديث لا تعاد و اما لا تشمله القاعدة فليس توجه الأمر بالاعادة مختصّا بالناسي.

و الحقّ في المقام أن يقال: انّ حديث لا تعاد يشمل كلّ مورد يكون قابلا لتوجّه خطاب أعد و الظاهر انّه يصحّ أن يخاطب كلّ أحد صلّي بهذا الخطاب إذ الاعادة عبارة عن الوجود الثاني فلو تحقّقت الصلاة في الخارج بأيّ نحو كان امّا تقع صحيحة و امّا تقع فاسدة امّا علي الأوّل فلا يصحّ أن يقال بانّها تعاد لعدم المقتضي و

امّا علي الثاني فتصحّ و لا وجه لما أفاده سيدنا الاستاد من ان الحديث انّما

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 118

______________________________

يشمل موردا لو لا انكشاف الخلاف لا تجب الاعادة فلا يشمل الملتفت حين العمل و المناط في عدم الاعادة يمكن أن يكون من باب عدم امكان التدارك؛ بيان ذلك انّ المأتي به امّا يكون موافقا للمأمور به و امّا لا أمّا علي الأوّل فيلزم الخلف إذ المفروض انّ المأتي به غير المأمور به و يلزم التصويب و امّا علي الثاني فلا وجه لسقوط الاعادة الّا من باب انّ التدارك غير ممكن و هذا ممكن حتّي في المقصّر و عليه نقول لا شبهة في شمول الحديث للناسي فيما لا يكون النسيان عن تقصير كما انّه يشمل الجاهل بالموضوع و أيضا يشمل الجاهل بالحكم عن قصور و امّا الجاهل المقصّر فربّما يقال بانّ الاجماع قائم علي عدم كونه مشمولا للحديث و لكن هذا الاجماع ليس اجماعا تعبّديا فلا بدّ من تقريب آخر.

و الّذي يمكن أن يقال في هذا المقام: انّ استفادة الشرطيّة و الجزئيّة في كثير من المقامات تكون من الأمر بالاعادة و تخصيص الاعادة بخصوص المتعمّد يوجب تخصيص الأكثر مضافا الي انّ المصلّي بحسب الطبع لا يفسد صلاته و الّا لا يصلّي؛ و امّا مع فرض أن يصلّي و مع ذلك لا يأتي بالجزء و الشرط فهو فرض غير واقع فلا يبقي الّا المقصّر و منه يظهر انّه لا يشمل الملتفت حين العمل لأنّه امّا قاصر و امّا مقصّر امّا الأوّل فلا يتصوّر القصور مع الالتفات و امّا علي الثاني فغير مشمول للحديث مضافا الي انّه يمكننا أن نقول بانّ الاخلال

عن تقصير لو كان موردا للحديث لشاع و ذاع و لم يكن مخفيا عند العامة؛ مضافا الي انّ العامد لا يمكنه شمول الحديث من جهة انّه كيف يتمشّي منه قصد القربة هذا فيما يعلم بالمخالفة و امّا لو علم بالموافقة علما أو تقليدا فيحكم بالصحّة و الاجزاء علي القاعدة انّما الكلام فيما لو شك في الموافقة و المخالفة و في هذا الفرض تارة يحتمل انّه حين العمل مراعيا للجزء

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 119

______________________________

و الشرط المحتملين و اخري لا يحتمل بل يعلم بغفلته بحيث لو كان آتيا لكان حسب الاتّفاق و امّا علي الأوّل فيجري قاعدة الفراغ الجارية في هذه المقامات و يحكم بالصحّة و امّا علي الثاني فلا لما قلناه في محلّه من أنّ المستفاد من دليل القاعدة أنّ هذه القاعدة امارة عقلائية؛ لكن في بحث القاعدة في كتابنا المسمي بالأنوار البهية في القواعد الفقهية ذكرنا انّ المستفاد من الدليل جريان القاعدة حتي في صورة الغفلة فراجع ما ذكرناه هناك.

نعم لا بأس بالأخذ بحديث لا تعاد في بعض الصور؛ هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

و امّا المقام الثاني: فنقول القاعدة الاوليّة تقتضي الاكتفاء بالاقل لدوران الأمر بينه و بين الأكثر و البراءة في مثله محكمة و لكن نقل عن جمع انّه لا بدّ من الاتيان بالأكثر في باب الشك في مقدار فوت الصلاة؛ و ربّما يقال: في وجهه ما نسب الي صاحب الحاشية و هو انّ الشك في المقدار الفائت شك في مقام الامتثال بعد تنجّز التكليف حيث انّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة؛ و يرد علي هذا الوجه انّ الاشتغال من الأوّل غير محرز الّا بالأقلّ فلا

وجه للاحتياط.

و في المقام وجه آخر: و هو استصحاب عدم الاتيان فلا بدّ من الاتيان بالأكثر لهذا الاستصحاب؛ و اورد عليه سيّدنا الاستاد بانّ القضاء مترتّب في الدليل علي عنوان الفوت؛ لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؛ قال: يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السّفر ادّاها في الحضر مثلها؛ و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 120

______________________________

الحضر كما فاتته «1» و حيث انّ الفوت أمر وجودي و لا يمكن اثباته الّا بالأصل المثبت الّذي لا نقول به، لا يجب الّا الأقل.

و يرد عليه أوّلا: انّ الدليل غير منحصر في هذا الباب لاحظ ما رواه زرارة؛ عن أبي جعفر عليه السلام انّه سئل عن رجل صلّي بغير طهورا و نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها؛ قال: يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار الحديث «2» فانّ وجوب القضاء رتّب علي عنوان الصلاة بغير طهور أو عنوان النّسيان حتّي لم يصل و أمثال هذه العناوين و من الظاهر انّ اشكال الأصل المثبت لا يتوجّه علي هذا التقدير.

و ثانيا: انّا لا نسلّم انّ الفوت عبارة عن الأمر الوجودي فانّ الفوت علي ما يظهر من اللّغة عبارة عن الذهاب و المضي يقال فات الأمر ذهب وقت فعله و الذهاب أمر وجداني و بالأصل يحرز عدم الاتيان؛ فالحقّ انّ مقتضي القاعدة الاتيان بالمقدار الذي تحرز به البراءة؛ نعم لو كان المورد مورد جريان قاعدة الفراغ تجري القاعدة و لا مجال للاستصحاب و الّا يلزم الاتيان بالأكثر لكن بمقدار لا يلزم الحرج

و الّا يرتفع الوجوب بدليل رفع الحرج الّا فيما يكون عن تقصير فانّ دليل لا حرج لا ينصرف عن الحرج الاختياري المتحقّق بسوء اختيار المكلّف؛ و امّا الاتيان بالمقدار المظنون فلا وجه له ف إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً*.

هذا كلّه علي تقدير كون القضاء بالأمر الجديد و امّا لو كان بالأمر الأوّل فالأمر أوضح أي يجب الاتيان بالأكثر لأنّ الاشتغال قطعي و الشك في الفراغ

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 1 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 121

[إذا علم انّ اعماله السابقة كانت مع التقليد لكن لا يعلم انّها كانت عن تقليد صحيح أم لا بني علي الصحّة]

(مسألة 41): إذا علم انّ اعماله السابقة كانت مع التقليد لكن لا يعلم انّها كانت عن تقليد صحيح أم لا بني علي الصحّة (1).

[إذا قلّد مجتهدا ثمّ شك في انّه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص]

(مسألة 42): إذا قلّد مجتهدا ثمّ شك في انّه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص (2).

[من ليس أهلا للفتوي يحرم عليه الافتاء]

(مسألة 43): من ليس أهلا للفتوي يحرم عليه الافتاء (3).

______________________________

فبحكم قاعدة الاشتغال علي المشهور و الاستصحاب علي التحقيق يلزم الإتيان به فافهم.

(1) لا يخفي انّ جريان الأصل انّما هو بلحاظ الأثر العملي فانّه لو عدل عن مقلّده الي غيره و كان رأي الثاني علي خلاف الأوّل فان قلنا بانّ العمل المأتي به و لو كان عن تقليد صحيح لا أثر له و لا يجزي فلا أثر للأصل و إن قلنا إن كان مستندا الي تقليد صحيح يصحّ و يجزي فالأصل يجري و يترتّب عليه الأثر.

(2) إذ المفروض انّه لم يحرز كونه واجدا للشرائط فرجوعه اليه امّا من باب الغفلة و امّا مع العلم لكن طرأ الشك بنحو الشك الساري و امّا بنحو غير معتبر؛ نعم لو احرز كونه واجدا للشرائط بالعلم الوجداني أو التعبّدي ثمّ شك في الزّوال يجري الاستصحاب كما تقدّم.

(3) تارة لا يكون الشخص مجتهدا فلا ريب في حرمة افتائه لأنّه افتراء علي اللّه و يكون مصداقا لقوله تعالي: (آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللّٰهِ تَفْتَرُونَ) «1».

و من الروايات ما رواه أبو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر

______________________________

(1) يونس: 59.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 122

و كذا من ليس اهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس (1).

______________________________

من عمل بفتياه «1». و غيره من الروايات الواردة في الباب و لا يبعد أن يكون اشدّ حرمة لو قال نظري كذلك إذ المفروض انّه

لا نظر له فيكون كذبا أيضا، و أمّا إن كان عالما بالحكم و كان مجتهدا فيجوز له الافتاء إذ المفروض انّ له الرأي فاذا فرض انّه فاسق عند نفسه و قلنا باشتراط العدالة في المرجع فهل يحرم الافتاء؟ ربما يقال: بانّ اخباره عن رأيه ظاهر في اخباره عن العدالة و ليس كذلك فانّه ليس اخبارا غاية الأمر إن افتائه ظاهر و ليس كلّ عمل ظاهر في شي ء مخالف للواقع كذبا و الّا ينسدّ باب التورية و إذا فرض انّ المقلّد جاهل بالحكم الشرعي و يريد أن يقلّد المجتهد الفاسق أفاد سيدنا الاستاد: بانّه يجب التنبيه من باب وجوب تبليغ الأحكام.

لكن يرد عليه: انّ تبليغ الأحكام وجوبه بهذا المقدار اوّل الكلام و علي فرض وجوبه لا يتفاوت الحال بين الافتاء و عدمه بمعني انّه لو كان جاهلا بهذا الحكم و قلنا بوجوب التبليغ يجب تعليمه.

و إذا فرضنا انّه عالم بالحكم من غير طريق متعارف شرعي كما لو علم بالحكم الشرعي من طريق الجفر فهل يجوز له الافتاء الظاهر هو الجواز لأنّه عالم بالواقع و العلم حجّة و حيث انّ الواقع لديه مكشوف فلا مانع عنده من ان يتحمّل مسئولية الغير؛ نعم لو سأله الغير عن جواز تقليده لا يجوز له أن يجب بالجواز إذ لا يجوز تقليد مثله بالأحكام كما تقدّم.

(1) و قد دلّ عليه بعض النصوص، منها ما رواه سليمان بن خالد؛ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اتّقوا الحكومة فانّ الحكومة انّما هي للإمام العالم بالقضاء

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 123

و حكمه ليس بنافذ (1) و لا يجوز

الترافع اليه (2).

______________________________

العادل في المسلمين لنبيّ [كنبيّ] أو وصيّ نبيّ «1».

(1) لعدم الدليل علي النفوذ و الأصل عدمه مضافا الي انّ فرض عدم أهليته يستلزم عدم نفوذ حكمه.

(2) تارة يترافعان عنده بعنوان انّه مشروع فيكون تشريعا و محرّما من هذه الجهة و امّا لو لم يكن بهذا العنوان فالحرمة بالعنوان الأوّلي محلّ اشكال الّا أن يصدق عليه عنوان التحاكم الي الطاغوت لكن لا يبعد أن لا يصدق الّا فيما يجعل القضاوة شغلا لنفسه أو يقال بانّه ناظر الي قضاة العامّة أو القضاة غير الواجدين للشرائط و امّا الاستناد الي كونه اعانة علي الإثم كما في كلام سيّد المستمسك فيرد عليه: انّه لا دليل علي حرمة الاعانة؛ هذا فيما يكون من لا أهليّة له شيعيّا و امّا لو كان من قضاة العامّة فتدلّ علي حرمته جملة من الروايات؛ لاحظ ما رواه أبو بصير؛ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في رجل كان بينه و بين أخ له مماراة في حقّ فدعاه الي رجل من اخوانه فيحكم بينه و بينه فابي الّا أن يرافعه الي هؤلاء:

كان بمنزلة الّذين قال اللّه عزّ و جلّ: (أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) الآية «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(2) الوسائل: الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 124

و لا الشهادة عنده (1) و المال الّذي يؤخذ بحكمه حرام و إن كان الآخذ محقّا (2).

______________________________

(1) لو لم يتّصف بالعنوان الثانوي المحرم يشكل الجزم بالحرمة

و كونه اعانة قد عرفت ما فيه من الاشكال.

(2) و هو المعروف عندهم و ادّعي عليه الاجماع و استدلّ عليه بخبر عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان أو الي القضاة أ يحلّ ذلك؟ فقال: من تحاكم اليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم الي طاغوت و ما يحكم له فانّما يأخذ سحتا و إن كان حقّه ثابتا؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و قد امر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالي: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) الحديث «1».

و لا يخفي انّ الوجه المذكور مخدوش فالحقّ أن يقال: انّ المأخوذ إن لم يكن حقّا فلا يجوز كما هو ظاهر و إن كان حقّا فان كان عينا شخصيّة فلا اشكال في أخذه و إن كان دينا و حل أجله فإن كان بتشخيص الظّالم أو بتشخيص المحق فلا يترتّب عليه الأثر و امّا إن كان بتشخيص الغريم و لو باكراه الجائر فافاد سيدنا الاستاد بجوازه لعدم شمول دليل الاكراه ايّاه حيث انّه خلاف الامتنان بالنسبة الي الدائن؛ و يرد عليه: ما أوردناه عليه مرارا و ضعّفنا مقالته فالحقّ انّ المأخوذ بهذا النحو غير صحيح؛ نعم الأخذ و التشخيص باذن الحاكم صحيح.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 125

الّا إذا انحصر استنقاذ حقّه بالترافع عنده (1).

[يجب في المفتي و القاضي العدالة]

(مسألة 44): يجب في المفتي و القاضي العدالة (2).

______________________________

(1) نسب الجواز الي الشهيدين و بعض آخر و نقل عن الأكثر المنع بل نقل الاجماع عليه و مقتضي القاعدة الاوليّة عدم الجواز و

امّا في غير هذه الصورة فانّ مقتضي اطلاق المنع الحرمة غاية ما في الباب حديث نفي الضرر و هو علي مسلكنا غير دالّ علي المقصود كما هو ظاهر و امّا علي مسلك المشهور فلا مانع من التمسّك به لنفي الحرمة و لكن الحديث لا يفي باثبات نفوذ تصرف الجائر.

(2) امّا في المفتي فقد مرّ الكلام فيه و امّا في القاضي فاثبات هذا الشرط بالدليل في غاية الأشكال إذ شي ء من الوجوه المذكورة في هذا المقام ليس قابلا للاعتماد منها: الاجماع و حاله معلوم و منها: انّ هذا منصب عظيم و كيف يرضي الشارع بان يشغله الفاسق؛ و لا يخفي انّ هذا وجه ذوقي بل المعتبر في القاضي الوثاقة بأن لا يخون.

و منها: انّ العدالة معتبرة في امام الجماعة و الشاهد فكيف بالقضاء الذي يكون اهمّ منهما؛ و فيه انّ الملاكات الشرعيّة مجهولة عندنا؛ و منها: ما رواه سليمان بن خالد «1» فانّ المستفاد من هذه الرواية انّ هذا مجلس لا يجلسه الّا نبي أو وصيّ نبيّ؛ و الفاسق لا يكون وصيّا للنبيّ.

و فيه: انّ الأمر و إن كان كذلك لكن العادل أيضا لا يكون وصيّا للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لو كنّا نحن و هذه الروايات لم يكن لنا طريق الي القول بجواز الحكومة للفقيه العادل.

و منها: ما رواه عن أبي خديجة قال: بعثني أبو عبد اللّه عليه السلام الي أصحابنا

______________________________

(1) لاحظ ص 122.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 126

______________________________

فقال: قل لهم: ايّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شي ء من الأخذ و العطاء ان تحاكموا الي أحد من هؤلاء الفسّاق؛ اجعلوا بينكم رجلا قد

عرف حلالنا و حرامنا؛ فانّي قد جعلته عليكم قاضيا؛ و ايّاكم أن يخاصم بعضكم بعضا الي السّلطان الجائر «1» حيث نهي عليه السلام من التحاكم الي أحد من هؤلاء الفسقة بدعوي انّه يستفاد منه و لو بنحو الأشعار بأنّ الفسق مانع من جواز الحكومة؛ و فيه: انّه علي فرض تماميّته مجرّد اشعار فلا يفيد؛ و منها: انّه ركون الي الظالم؛ و فيه: انّه لو كان هذا ركونا فلا يجوز الاستمداد بنحو الاطلاق من الفسقة فلا يجوز التداوي عند طبيب فاسق و هكذا و هو كما تري.

إذا عرفت ما ذكرنا: يمكن اثبات المدّعي بنحو آخر و هو انّه لا دليل لنا يدلّ باطلاقه أو عمومه علي جواز التحاكم الي الفاسق فالقدر المتيقّن أن يكون القاضي عادلا و الّا لا يكون حكمه نافذا إذ نفوذ الحكم علي خلاف الأصل و حديث أبي خديجة سالم بن مكرم «2» لا يثبت الإطلاق للأشكال في السند إذ التوثيقات الواردة في الرجل يعارضها تضعيفه من الشيخ قدّس سرّه و ما افاده سيدنا الاستاد في المقام لإثبات انّ كلام الشيخ قدّس سرّه راجع الي سالم بن أبي سلمة؛ لا سالم بن مكرم؛ لا يرجع الي محصّل؛ فإنّه اجتهاد و حدس و الظواهر حجّة و لذا تعرض لتضعيف الشيخ الشيخ الحر في رجاله فراجع.

نعم: قد تقدّم منّا في هذا الشرح انّ تضعيف الشيخ قدّس سرّه الرجل معارض بتوثيق الشيخ نفسه فلا أثر لتضعيفه فالمرجع توثيق غير الشيخ؛ اللهمّ الّا أن يقال

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.

(2) لاحظ ص 83.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 127

و تثبت العدالة بشهادة عدلين و بالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة

أو الاطمينان بها و بالشياع المفيد للعلم (1).

[إذا مضت مدّة من بلوغه و شكّ بعد ذلك في انّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا يجوز له البناء علي الصحّة]

(مسألة 45): إذا مضت مدّة من بلوغه و شكّ بعد ذلك في انّ أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا يجوز له البناء علي الصحّة في أعماله السابقة و في اللّاحقة يجب عليه التصحيح فعلا (2).

______________________________

انّ إسناد الصدوق الي أحمد بن عائذ ضعيف علي ما في كلام الحاجياني و السند الاخر ضعيف أيضا.

(1) قد مرّ الكلام فيما ذكر فلا نعيد.

(2) لو فرض أثر عملي للتقليد الصحيح في زمان الشك فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ مع وجود شرطها و هو احتمال الأذكريّة حين العمل علي القول باشتراطها و لكن لا يتصوّر أثرا عمليّا للتقليد الصحيح الّا من ناحية وجوب التوبة و يكفي لعدم تحقّق الفسق الاستصحاب إذ لو فرضنا انه علم بكون تقليده كان علي طبق الموازين المقرّرة لكن يكون رأي المرجع الفعلي مخالفا لذلك لا يكون وجه للأجزاء و بالنسبة الي الأعمال اللاحقة يكون مقتضي القاعدة أن تصحّح فعلا كما هو ظاهر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 128

[يجب علي العامي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه]

(مسألة 46): يجب علي العامي أن يقلّد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه (1) و لا يجوز أن يقلّد غير الأعلم الّا إذا أفتي بعدم وجوب تقليد الأعلم (2) بل لو أفتي الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه (3).

فالقدر المتيقّن للعامي تقليد الأعلم في الفرعيّات (4).

______________________________

(1) فانّه كبقيّة الفروع و انّ الأدلّة عند التعارض تتساقط و مقتضي السيرة كما تقدّم هو الأخذ بقول الأعلم.

(2) و ظهر وجهه.

(3) ربما يقال: في وجه الاشكال بانّ مسألة التقليد ليست تقليديّة فانّه لا يجوز تقليد غير الأعلم في حدّ نفسه لعدم ثبوت حجيّة فتواه و لا يمكن اثبات حجيّته

بقول الأعلم لاستلزامه الدور أو التسلسل؛ و الجواب عن هذا الاشكال انّه بمقتضي السيرة يرجع الي الأعلم و بقول الأعلم تثبت حجيّة قول غيره؛ و بعبارة أخري: يكون التقليد في الحقيقة عن الأعلم و هذا نظير ما لو علم بحجيّة قول العادل و بقوله تثبت حجيّة قول مطلق الثقة؛ فلاحظ.

نعم: لو استنبط المقلّد انّ قول غير الأعلم لا يكون حجّة في حقه لا يجوز له تقليده حتّي مع فتوي الأعلم كما هو ظاهر.

(4) و هذا أيضا من الفروع و ليس من الأصول إذ لم يقع في طريق الاستنباط مضافا الي انّ جواز التقليد في الأصول وقع محلّ الكلام و قد تعرّض له المصنّف قدّس سرّه فيما بعده؛ فانتظر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 129

[إذا كانا مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات فالأحوط تبعيض التقليد]

(مسألة 47): إذا كانا مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات فالأحوط تبعيض التقليد و كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلا و الآخر في البعض الآخر (1).

[إذا نقل شخص فتوي المجتهد خطأ يجب عليه اعلام من تعلّم منه]

(مسألة 48): إذا نقل شخص فتوي المجتهد خطأ يجب عليه اعلام من تعلّم منه و كذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الاعلام (2).

______________________________

(1) امّا مع العلم بالاختلاف فالأظهر هو ما ذكره و قد مرّ مرارا و امّا مع عدم العلم بالاختلاف يجوز له التبعيض كما يجوز له عدمه؛ و الوجه ظاهر.

(2) يقع الكلام تارة فيما نقل الجواز و الحال انّه حرام أو أفتي بجواز شي ء ثمّ انكشف انّه حرام أو واجب و اخري في عكس الفرض بان يخبر أو يفتي بالحرمة أو الوجوب ثمّ انكشف عدم الإلزام.

امّا المقام الأوّل: فما يمكن أن يستدلّ به علي وجوب الاعلام أمور:

منها: ما يدلّ من الآيات و الأخبار علي وجوب اعلام الناس.

و يرد عليه أوّلا: انّه لا يجب تبليغ الأحكام بمعني ايصالها الي الناس بأيّ نحو كان بل يكفي التهيّؤ لبيان الحكم الشرعي و لا يجب الذهاب الي آحاد الناس و تبليغ الأحكام ايّاهم و ثانيا: انّه لا فرق فيما ذكر بين الناقل و المفتي و غيرهما فانّه علي تقدير الوجوب لا يختص بخصوص شخص دون آخر.

و منها: ما في كلام سيدنا الاستاد و هو انّه استفيد من الأدلّة انّ التسبيب الي الحرام حرام أيضا فانّه يفهم من حرمة شرب الخمر حرمة إشرابه للغير.

و يرد عليه أوّلا: انّ ما ادّعاه أوّل الكلام و أوّل الأشكال، و ثانيا: انّه حين

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 130

______________________________

الأخبار و الافتاء

كان المباشر لهما معذورا و بعد الانكشاف لا تسبيب.

و منها: ما دلّ علي كون المفتي ضامنا إذا أفتي بخلاف الحكم الشرعي روي عن عبد الرحمن ابن الحجّاج قال: كان أبو عبد اللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرّأي؛ فجاء اعرابيّ فسأل ربيعة الرّأي عن مسألة فاجابه؛ فلمّا سكت قال له الاعرابي: أ هو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة و لم يردّ عليه شيئا؛ فاعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك؛ فقال له الاعرابيّ: أ هو في عنقك؟ فسكت ربيعة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هو في عنقه؟ قال: أو لم يقل: و كلّ مفت ضامن «1».

و هذه الرواية واردة في الافتاء و الكلام في الأعمّ منه مضافا الي انّه يستفاد منه انّ المسئولية علي عنق المفتي و من الظاهر انّ الخطأ لا يكون موردا للمسئوليّة.

و منها: ما دلّ علي انّ أثم من افتي بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه كما روي عن أبي عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه؛ لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب؛ و لحقه وزر من عمل بفتياه «2» و قد ظهر منه الجواب كما انّه يظهر الجواب عمّا ربما يتمسّك به ممّا ورد في باب الحجّ من انّ كفّارة تقليم اظفار المحرم علي من أفتي بجوازه؛ روي عن اسحاق الصير في قال:

قلت لأبي ابراهيم عليه السلام: انّ رجلا احرم فقلّم اظفاره و كانت له اصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصّه فافتاه رجل بعد ما احرم فقصّه فادماه؛ فقال: علي الذي افتي شاة «3»، فإنه الحديث لا يدل علي وجوب الأعلام.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7 من أبواب آداب القاضي، الحديث

2.

(2) الوسائل: الباب 7 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 13 من أبواب بقية كفارات الاحرام، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 131

______________________________

و أمّا المقام الثاني: فقد ظهر الحال فيه ممّا ذكرناه في المقام الأوّل بل الأمر في هذه الصورة أهون لأنّه ليس في ترك المباح وزر كي يلحق المفتي كما انّه لا موضوع للضمان.

و حيث انجرّ الكلام الي هنا: ينبغي أن يقع الكلام في تنبيه الغافل و اعلام الجاهل؛ فانّه بحث مهمّ و لا يتعرّض له بنحو الاستقلال فنقول: تارة يقع الكلام في مورد الجهل بالموضوع و الغفلة عنه و اخري في مورد الجهل بالحكم.

أمّا الأوّل: فلا شبهة في عدم وجوب الأعلام الّا في موارد علم من الشرع بالخصوص كما لو أراد أحد قتل احد بتصوّر انّه حيوان فإنّه يجب اعلامه بل يجب حفظ النفس المحترمة بأيّ نحو كان و قس عليه بعض أقسام الأعراض و الأموال و هذا لا يرتبط بهذا البحث كما هو ظاهر، و اما الجاهل بالحكم و الغافل فما يمكن أن يقال في هذا المقام أو قيل أمور: منها ما نسب الي السيّد الوالد قدّس سرّه من انّه بحكم العقل بتقريب انّه لو كان أحد في معرض الهلاك يجب انقاذه و هذا الدليل غير تام فانّا انكرنا حكم العقل و استقلاله في كشف الأحكام الشرعيّة و الذي يدلّ عليه انّه لو قام دليل علي عدم الوجوب لا نرده و نلتزم بعدم الوجوب و الحال انّه كيف يمكن رد الحكم المستقلّ العقلي! و هذا ظاهر؛ و ملخّص الكلام؛ انّه لا بدّ من اقامة دليل علي الوجوب فما دام لم يقم دليل من آية

أو رواية لا يمكن الالتزام بالوجوب.

و منها: قوله تعالي: لِئَلّٰا يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَي اللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ «1» بدعوي انّه يلزم اقام الحجّة علي الناس كي يتمّ الحجّة له تعالي و لا يكون للناس حجّة.

و الجواب عن هذا الدليل انّ المستفاد من مجموع الآيات المذكورة في المقام

______________________________

(1) النساء: 165.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 132

______________________________

انّه تعالي اتمّ الحجّة علي الناس بإرسال الرسل و هذا الأمر تحقّق في الخارج بإرادة اللّه و امّا لزوم إيصال ما أتي به الرسل الي الغافلين فيحتاج الي الدليل، و بعبارة اخري: لا يستفاد من الآية الشريفة انّه يجب علينا ان نتمّ الحجّة بل هذا فعله تعالي و قد فعله.

و منها: قوله تعالي (قُلْ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ) «1» و التقريب فيه هو التقريب و الجواب اظهر فانّ المستفاد من الآية انّ اللّه تعالي تمّم الحجّة بالتكليف المستلزم للاختيار و ليس تكليفه مبنيا علي الالجاء و علي كلّ لا يرتبط مفاد الآية بما نحن بصدده.

و منها: قوله تعالي: (فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) «2» بتقريب انّ المستفاد من الآية وجوب النفر و الانذار بعد الرجوع لاحتمال الحذر و الظاهر انّه لا بأس بهذا الاستدلال فانّ المستفاد من الآية انّه يجب التحذير، و لكن ترفع اليد عن اطلاق الآية بالضرورة الخارجية.

و منها: قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُديٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ) «3» بتقريب انّ المستفاد من الآية انّه يحرم كتمان سبب الهداية و من الظاهر انّ الأحكام الشرعيّة و

القوانين الالهيّة توجب السّعادة الابديّة.

______________________________

(1) الانعام: 149.

(2) التوبة: 122.

(3) البقرة: 159.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 133

______________________________

و يرد عليه أوّلا: انّ الكتمان علي ما يستفاد من اللّغة عبارة عن الامساك و الاصرار علي عدم بيان أمر فلو سئل أحد عن أمر بعلمه فلا يقول و يكتمه يصدق عليه الكتمان و لا يصدق علي مطلق الامساك؛ و بعبارة اخري عدم الاخبار عن امر و عدم اظهاره ليس بكتمان علي نحو الاطلاق و الآية بمناسبة شأن نزولها حيث نزلت بالنسبة الي أحبار اليهود يستفاد منها انّ موردها ما يكون الكتمان سببا لضياع حقّ كأمر النبوة حيث انّ كتمان اليهود سبب لعدم ظهور أمر رسالة رسول الإسلام.

و ثانيا: انّ المذكور في الآية عبارة عن البيّنات و من الظاهر انه البيّنة عبارة عمّا يظهر به الشي ء فيناسب ما يرجع الي أمر الرسالة فانّ المذكور في القرآن الكريم عبارة عن الأحكام لا البيّنات و انّما ذكرت البيّنات في التوراة و الانجيل و المعطوف علي البيّنات عبارة عن الهدي و يكون عطف تفسير و لا يناسب أن يراد منها سبب الهداية و هو الحكم الشرعي إذ البيّنات عبارة عن سبب الهداية و ارادة مطلق السبب عن لفظ الهداية يستلزم عطف العام علي الخاص و هو أمر غير معهود بخلاف العكس.

إن قلت: يمكن أن يراد من البيّنات جميع البيّنات اعمّ ممّا ذكر في التوراة و ممّا ذكر في القرآن من الأدلّة الدالّة علي وجوده تعالي و وجوده الحشر و النشر.

قلت: سلّمنا هذا المعني لكن نقول بأيّ وجه نتعدّي الي الأحكام فانّ غاية هذا التقريب بيان ادلّة التوحيد و ما نحن فيه أوسع من هذا المقدار اللّهمّ الّا

أن يقال:

انّ ادلّة الأحكام التي ذكرت في القرآن بنفسها بيّنات فانّ الأحكام الشرعيّة تظهر بآيات الأحكام فالعمدة هو الاشكال الأوّل.

و يؤيّد ما ذكرنا في معني الكتمان ما أفاده سيد المستمسك من انّ المستفاد من

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 134

______________________________

الآية حرمة الكتمان و وجوب الاظهار في مقام الاستعلام و إن شئت قلت: انّ المفهوم من هذا اللّفظ بماله من المعني عدم الملكة أي عدم الاظهار في مورد كان شأنه الاظهار كما لو سئل فيمسك عن الجواب و في المقام روايتان إحداهما ما رواه طلحة بن زيد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ رواة الكتاب كثير و انّ رعاته قليل و كم من مستنصح للحديث مستغشّ للكتاب فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية و الجهلاء يحزنهم حفظ الرواية فراع يرعي حياته و راع يرعي هلكته فعند ذلك اختلف الراعيان و تغاير الفريقان «1».

و ثانيهما: ما رواه طلحة بن زيد أيضا عن أبي عبد اللّه؛ عن آبائه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: انّ العالم الكاتم علمه يبعث انتن اهل القيامة ريحا تلعنه كلّ دابّة من دواب الأرض الصّغار «2» و طلحة لم يوثّق.

و صفوة القول انّ الدليل علي المدّعي منحصر في آية النفر علي ما تقدّم.

ثمّ انّه يقع البحث في جهات المسألة و هي عديدة:

الأولي: انّه هل يلزم أن يكون قول المرشد حجّة للطرف أم لا يشترط بهذا الشرط؟ الظاهر انّه لا وجه لهذا الاشتراط؛ امّا لو استندنا الي آية النّفر فالمقدار اللّازم أن يكون في الاعلام رجاء الحذر لقوله تعالي: (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) و امّا لو استند الي آية الكتمان فهو يقتضي وجوب الاعلام و لو مع العلم بعدم

ترتيب الأثر الّا أن يقال: بانّ المفهوم من الآية عرفا أنّ الكتمان انّما يكون حراما من حيث انّ

______________________________

(1) الوافي: ج 1 ص 169، الحديث 91 (منشورات مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة- اصفهان).

(2) الوسائل: الباب 40 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 135

______________________________

اظهار الحقّ يوجب هداية الناس فالاظهار المجرّد لا يكون واجبا.

الثانية: انّه هل يكون فرق بين أن يكون الطرف عالما و بين أن يكون جاهلا.

و بعبارة اخري: هل يشترط الجهل في الطرف امّا لو استندنا الي آية الكتمان فلا اشكال في هذا الاشتراط إذ الكتمان انّما يصدق فيما يكون الطرف جاهلا.

و بعبارة أخري: انّ الكتمان عبارة عن جعل الشي ء مستورا و مع كون الطرف عالما لا يتحقّق الستر كما هو ظاهر و امّا لو استندنا الي آية النفر فهو أيضا كذلك إذ مع كونه عالما لا معني لأعلامه؛ نعم يدخل المقام في صغري النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف.

ثمّ انّه هل يكون فرق بين الجاهل القاصر و بين الجاهل المقصّر الظاهر انّه لا وجه للفرق فانّ الجاهل المقصّر و لو كان واجبا عليه التعلّم لكن مقتضي وجوب التحذير و حرمة الكتمان وجوب الاظهار و الأعلام.

الثالثة: انّه يجب اعلام الجهّال بأيّ نحو كان و لو بالرواح الي بيوتهم و دق ابوابهم و اعلامهم أم لا؟ امّا المقدار الحرجي فغير واجب لقاعدة نفي الحرج و امّا لو لم يصل الي هذا الحدّ فمقتضي الاطلاق الوجوب لكن ترفع اليد عن الاطلاق بالضرورة الخارجيّة فانّه لم تكن سيرة الأئمة عليهم السلام علي هذا النحو من الأعلام فكيف بغيرهم، بل يكفي بالنّحو المتعارف

المتداول المتّصل بزمانهم عليهم السلام و عليه لا يجب الذهاب الي كلّ واحد واحد بل يكفي بيان المسائل و الأحكام في مجتمع أو في كتاب و عرضه الي الناس و الذي يكون موجبا للإشكال انّ مقتضي القاعدة وجوب الذهاب الي القري و الأماكن البعيدة و انذارهم و اعلامهم بالأحكام اعاذنا اللّه من الزّلل.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 136

[اذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني علي أحد الطرفين]

(مسألة 49): اذا اتّفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني علي أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة و انّه إذا كان ما أتي به علي خلاف الواقع يعيد صلاته فلو فعل ذلك و كان ما فعله مطابقا للواقع لا يجب عليه الاعادة (1).

______________________________

الرابعة: انّه هل يختصّ الوجوب بالأحكام الالزاميّة أو يعمّ الترخيصيّة أيضا؟ الظاهر هو الأوّل امّا لو استندنا الي آية النفر فلأنّ الانذار انّما يكون في ترك الواجب و فعل الحرام و امّا في الترخيصيّات فلا معني للإنذار و لو استندنا الي آية الكتمان فالأمر كذلك أيضا لأنّ ما يكون موجبا للهدي عبارة عن الالزاميّات.

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الأولي: انّه لو اتّفق مسألة في الأثناء لا يعلم حكمها و يحتمل انّ البناء علي كلّ من الطرفين يوجب البطلان ما حكمه؟ و الحقّ أن يقال: انّه لو قلنا بحرمة ابطال الصلاة لا يمكن أن يقال انّ البناء علي أحد الطرفين يجوز شرعا إذ يمكن انّ البناء علي أحد الطرفين يوجب بطلان الصلاة و معه كيف يمكن أن يجوز شرعا.

إن قلت: لا محيص.

قلت: لو كان جاهلا مقصرا يعاقب علي ترك التعلّم؛ نعم في الجاهل القاصر لا يتوجّه هذا الاشكال إذ لا يتوجّه

عليه التكليف ففي المقصّر لا يمكن الالتزام بالجواز الشرعي؛ نعم الجواز العقلي صحيح بمعني انّ الأمر يدور بين المحذورين و بحكم العقل لا بدّ من اختيار أحد الطرفين.

الثانية: انّه لو بني علي أحد الطرفين و طابق الواقع هل يكون صحيحا أم لا؟

الحقّ انّه لو طابق المأتيّ به المأمور به يصحّ و يجزي فانّ الأجزاء عقليّ لكن هل يشترط بهذا النحو المذكور في المتن بحيث لو لم يكن بانيا علي الاعادة لا يصحّ و لو

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 137

[يجب علي العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الاعلم أن يحتاط في أعماله]

(مسألة 50): يجب علي العامي في زمان الفحص عن المجتهد أو عن الاعلم أن يحتاط في أعماله (1).

______________________________

كان مطابقا للواقع؟ الحقّ انّه ليس مشروطا بهذا الشرط بل مقتضي القاعدة هي الصحّة مطلقا كان بانيا علي الاعادة علي فرض عدم المطابقة أولا متردّدا كان أو عازما علي الخلاف أو غافلا ففي جميع الصّور لو اتي بأحد الطرفين ثمّ علم التطابق مع الواقع يكون العمل صحيحا و أيضا لا فرق بين أن يكون جاهلا قاصرا و بين أن يكون مقصّرا و الوجه في الصحّة علي الاطلاق انّ العمل العبادي يشترط فيه أن يؤتي به بقصد القربة و مضافا الي المولي و الزائد علي هذا المقدار لا يلزم.

الثالثة: انّه لو بني علي أحد الطرفين فلا شبهة في عدم جواز الاكتفاء به عقلا إذ المفروض انّ الاشتغال حاصل و الفراغ مورد للشك فلا بدّ من العلم بحصول الفراغ و هذا لا يحصل الّا بالاحتياط و الرجوع و السؤال عمّن يعلم الحكم.

الرابعة: انّه لو لم يطابق العمل الواقع فهل يجب الاعادة مطلقا أم لا الحقّ انّ الاعادة واجبة إذ قاعدة لا تعاد تختص بمن يكون

حين العمل معتقدا بتمامية عمله و المفروض في المقام انّ المكلف حين العمل شاك في الصحّة فلاحظ.

(1) و الوجه فيه ظاهر إذ لا بدّ من تحصيل المؤمّن و لا يحصل الّا بالاحتياط كما مرّ في أوائل البحث من انّ كلّ مكلّف يجب عليه أحد الأمور الثلاثة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 138

[المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القصّر ينعزل بموت المجتهد]

(مسألة 51): المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القصّر ينعزل بموت المجتهد (1) بخلاف المنصوب من قبله كما إذا نصبه متولّيا للوقف أو قيّما علي القصر فانّه لا تبطل توليته و قيمومته علي الاظهر (2).

______________________________

(1) فانّ الاذن لا معني لبقائه مع فرض عدم الآذن كما انّ الأمر كذلك لو كان بنحو الوكالة فانّ الوكالة لا تبقي مع موت الموكّل.

(2) ما يمكن أن يكون وجها لهذا المدّعي امور:

الأوّل: انّ الفقيه له الولاية و مقتضاها تحقّق ما تصدّي له و بقائه حتّي بعد موته؛ و فيه: انّه لا دليل علي ولاية الفقيه و لعلّه يقع الكلام فيه بعد ذلك و لو ملخّصا.

الثاني: انّه من مناصب القضاء و حيث انّ الفقيه قاض فله اعطاء هذا المنصب للغير؛ و فيه: انّه أوّل الدّعوي و ليس عليه دليل؛ إن قلت: انّ المقبولة تدلّ علي هذا المعني حيث قال عليه السّلام: فانّي قد جعلته عليكم حاكما «1» و فيه: انّ الحاكم بمعني القاضي مضافا الي انّ السند مخدوش كما مرّ.

الثالث: انّ جعل الفقيه كجعل الامام فلا يزول بزواله و فيه: انّه مصادرة و ليس عليه دليل.

الرابع: انّ عمل الفقيه واسطة في الثبوت بالنسبة الي جعله تعالي و يرد عليه انّه أيضا كسابقه.

الخامس: انّ السيرة جارية عليه و لم

يردع عنها و فيه: انّ اثبات هذه السيرة اوّل الاشكال و الكلام.

______________________________

(1) التهذيب: ج 6 ص 218، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 139

[إذا بقي علي تقليد الميّت من دون ان يقلّد الحيّ في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد]

(مسألة 52): إذا بقي علي تقليد الميّت من دون ان يقلّد الحيّ في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد (1).

[إذا قلّد من يكتفي بالمرّة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفي بها ثمّ مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدّد لا يجب عليه اعادة الاعمال السابقة]

(مسألة 53): إذا قلّد من يكتفي بالمرّة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفي بها أو قلّد من يكتفي في التيمّم بضربة واحدة ثمّ مات ذلك المجتهد فقلّد من يقول بوجوب التعدّد لا يجب عليه اعادة الاعمال السابقة و كذا لو اوقع عقدا أو ايقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحّة ثمّ مات و قلّد من يقول بالبطلان يجوز له البناء علي الصحّة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضي فتوي المجتهد الثاني (2).

______________________________

السادس: الاستصحاب؛ و فيه: انّه لا يجري الاستصحاب في الحكم الكلّي مضافا الي انّ الموضوع غير محرز لاحتمال أن يكون الولاية للقيّم بتبع ولاية الفقيه و مع موته لا يبقي الموضوع؛ و ملخّص الكلام انّ ولاية الفقيه لا دليل عليها و علي فرض تسلّمها لا دليل علي ثبوتها علي نحو الاطلاق بل المقدار المعلوم تحقّقه ما دام الفقيه حيّا.

(1) و الوجه فيه انا لو قلنا بانّ البقاء علي تقليد الميّت يحتاج الي تقليد الحيّ فبقاء المقلّد علي التقليد ليس علي حسب الميزان و إذا لم يكن علي حسب الميزان يكون كمن لا يكون مقلّدا.

(2) الميزان الأوّلي و القاعدة الاوّلية فيما لا يكون المأمور به منطبقا علي المأتيّ به عدم الاجزاء فانّه كما انّ الاجزاء فيما طابق عقليّ و الانطباق قهريّ لا يكون المأتيّ به فيما يخالف المأمور به مجزيا عقلا و لا بدّ لإثبات الأجزاء من دليل؛ و عليه ما أفاده في المتن من عدم لزوم الاعادة و الاكتفاء بما أتي به محلّ اشكال و ما يمكن أن يقال أو

الغاية القصوي في التعليق

علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 140

______________________________

قيل في وجه الاجزاء أمور:

الأول: انّ الحكم الظاهري يقتضي الأجزاء و يرد عليه: انّ المحقّق في محلّه من الأصول عدم الاجزاء و لا فرق في عدم الاجزاء بين أن يكون مفاد الدليل الطريقيّة و بين أن يكون مفاده جعل الحكم كقاعدة الطهارة و الاباحة بل استصحابهما بدعوي انّ المجعول فيها تنزيل المشكوك منزلة الواقع؛ و بعبارة اخري: بنحو الحكومة يجعل المشكوك منزلة الواقع فيكون الميزان الواقع فكيف يمكن الالتزام بعدم الاجزاء مدفوعة: بانّه و لو سلّمنا الحكومة في ما ذكر و لم نقل بانّ المجعول في مورد الاصلين الاباحة و الحلّية الظاهريّة و في الاستصحاب جعل الطريقيّة نقول بانّ الحكومة إذا لم تكن واقعيّة لا يقتضي الأجزاء كما هو ظاهر.

الثاني: دعوي الاجماع بل دعوي الضرورة و يرد عليه: انّه لو كان المراد من الضرورة انّ المسألة ضروريّة لا تحتاج الي البحث ففساده أوضح من أن يخفي مع هذا النزاع العريض الطويل في البين و إن كان المراد انّ كون المسألة اجماعية فيرد عليه انّ المنقول عن العلّامة و العميدي دعوي الاجماع علي الخلاف.

الثالث: انّه لو لم يكن مجزيا لا يبقي وثوق بالفتوي و يرد عليه: اوّلا: النقض بموارد كشف الخلاف في الموضوعات. و ثانيا: انّ هذا استبعاد ليس دليلا مضافا الي انّ استبعاده في غير محلّه؛ فانّ مقتضي العبوديّة امتثال أوامر المولي بايّ نحو اقتضت.

الرابع: انّ عدم الاجزاء يوجب الحرج و هو مرفوع في الشريعة؛ و فيه: انّ الحرج شخصي فكلّ مورد تحقّق الحرج نرفع اليد و لا يختصّ بهذا المورد بل مقتضي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 141

______________________________

القاعدة ارتفاع كلّ حكم بالحرج

كما حقّق في محلّه لكن هذا المقدار لا يقتضي الحكم بالاجزاء نعم لو كان المراد بالحرج النوعي منه لكان لهذا الكلام و الاشكال مجال.

الخامس: السّيرة بدعوي انّ السيرة قائمة و جارية علي عدم نقض ما وقع سابقا و عدم الاعادة و القضاء و يرد عليه: انّه لو كان المراد بهذه السيرة السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع فهو أوّل الكلام و الاشكال و إن كان المراد بها السيرة المتشرعيّة فهي علي فرضها يمكن أن تكون مستندة الي فتوي المقلّدين بالفتح؛ و إن شئت قلت: كيف يمكن اثبات السيرة الشرعيّة المتّصلة بزمان المعصوم عليه السلام بحيث يكشف عن عدم الرّدع عنها و هل وقع و لو مرّة في زمانهم ما يكون صغري لهذه المسألة.

السادس: ما أفاده سيّد المستمسك و هو انّ المدرك للرجوع الي الحيّ امّا الاجماع و امّا حكم العقل بلحاظ الدوران بين التعيين و التخيير و القدر المتيقّن من الاجماع عدم نفوذ الرأي الأوّل في الوقائع الآتية و حكم العقل محكوم باستصحاب بقاء حجيّة قول الميّت بالنسبة الي ما مضي من الوقائع؛ و يرد عليه أوّلا: انّ الاستصحاب لا يجري في الشبهة الحكمية، و ثانيا: انّه لا مجال لهذا الكلام إذ المعدول اليه إن كان اعلم يجب الرجوع اليه بحكم السيرة بلا فرق بين الوقائع و إن كان الميّت أعلم يجب البقاء كذلك و مع التساوي يلزم الأخذ بأحوط القولين لعدم دليل علي حجيّة أحدهما المعيّن و أيضا لا دليل علي التخيير.

السابع: ما عن المحقق الاصفهاني قدّس سرّه و استدل علي المدعي و هو الأجزاء في كل من الأحكام الوضعيّة و التكليفيّة بوجه امّا في الأحكام الوضعية فانّ المصالح فيها قائمة بنفسها فلو قامت

الامارة علي تحقق الاباحة بالمعاطات و بعد ذلك قامت

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 142

______________________________

علي انّ المتحقق بها الملكية لم تكشف الامارة الثانية عن كون الاباحة غير مطابقة للواقع إذ ليس في الأحكام الوضعية واقع سوي نفسها فلا معني لكشف الخلاف و اما في الحكم التكليفي فكشف الخلاف فيه و إن كان متصورا لكن اعتبار الاجتهاد الثاني من حين صدوره و تحققه و لا يوجب سقوط السابق عن الاعتبار في ظرفه و بعبارة اخري الاجتهاد الاوّل كان حجة في ظرفه و لا ينقلب و الاعادة و القضاء، و إن كانا متأخرين لكنهما من آثار بطلان العمل و قد فرض ان الاعمال الواقعة علي طبق الاجتهاد الاوّل صحيحة و بتقريب أوضح انّ الحجة الثانية انما صارت حجة بعد سقوط الحجة الاولي عن الاعتبار فالمتأخرة لا تكون حجة الّا بعد موت المرجع الأوّل و كيف يمكن أن تكون الحجة اللاحقة موجبة لانقلاب الأعمال السابقة عن الصحة الي الفساد حتي علي القول بالطريقيّة و صفوة القول انّ الحجة المتأخرة لا يمكن أن تكون مؤثرة في المتقدم عليها من الاعمال و المفروض انّ الاعادة و القضاء من آثار بطلان العمل المتقدم فإن لم يكن المتأخر مؤثرا في المتقدم فلا وجه للإعادة أو القضاء و يرد عليه اوّلا النقض بشهادة العادل الذي كان فاسقا في زمان ثم تاب و بعد صيرورته عادلا يشهد علي امر مربوط بزمان فسقه فهل يشك في اعتبار شهادته و ثانيا يجيب بالحل و هو انه إن كان المراد من عدم تأثير المتأخر انه لا يوجب فساد ما وقع صحيحا فهو حق و إن كان المراد انّ المتأخر لا يمكن أن

يكشف عن مخالفة الاعمال مع الواقع فهو غير صحيح فإن الامارة المتأخرة يمكن أن يكشف عن مخالفة المأتي به مع المأمور به و اما افيد في كلامه من انّ الأحكام الوضعية تابعة لمصالح في نفسها فالأمر كما افيد اي المصالح في نفس الجعل و لا واقع لها الّا تلك الأحكام لكن تمام الكلام في انّ المجعول ما هو مثلا في

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 143

______________________________

المعاطات هل المجعول هي الاباحة أو الملكية و الميزان الاجتهاد الثاني اذ الاجتهاد الأوّل سقط عن الاعتبار علي الفرض.

و امّا في الأحكام التكليفية فنقول انّ المكلف بعد سقوط الاجتهاد الأوّل عن الاعتبار يشك في وجوب الاعادة و القضاء عليه فلو ادّي الاجتهاد الثاني الي فساد الاجتهاد الاوّل تجب الاعادة و القضاء إذ بمقتضي الاجتهاد الثاني لم يتحقق الواجب و لم يتحقق الامتثال فتجب الاعادة و القضاء.

اذا عرفت ما تلوناه عليك نقول: مقتضي القاعدة عدم الاجزاء في العبادات و المعاملات فانّ حجيّة قول المجتهد من باب الامارية و الكشف و من الظاهر انّ الطريقيّة ماداميّة فلا مناص عن الالتزام بعدم الأجزاء نعم مقتضي قاعدة لا تعاد عدم الاعادة في جملة من الموارد.

و ضابطه: انّه لو كان الفاقد داخلا في الخمس و ما يلحق به فلا تشمله القاعدة و الّا يكون مقتضي هذه القاعدة عدم الاعادة فعليه لا بدّ من التفصيل فيما أفاده في المتن فما أفاده متين بالنسبة الي التسبيحات حيث انّه غير داخل في الخمس و امّا التيمّم فلا اذ الطّهور من الخمس و امّا العقد أو الايقاع لو كان باطلا بنظر الحيّ لا بدّ من البناء علي البطلان و رفع اليد عن العقد و

الايقاع الواقعين.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 144

امّا إذا قلّد من يقول بطهارة شي ء كالغسالة ثمّ مات و قلّد من يقول بنجاسته فالصلوات و الأعمال السابقة محكومة بالصحّة و إن كانت مع استعمال ذلك الشي ء و امّا نفس ذلك الشي ء إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته و كذا في الحلّية و الحرمة فاذا افتي المجتهد الأوّل بجواز الذّبح بغير الحديد مثلا فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد و قلّد من يقول بحرمته فان باعه أو أكله حكم بصحّة البيع و اباحة الأكل و امّا اذا كان الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه و لا أكله و هكذا (1).

______________________________

(1) امّا ما أفاده في مسألة الغسالة فلو اغتسل أو توضّأ يلزم اعادة صلواته لعدم شمول القاعدة و لو غسل بها شيئا و صلّي فيه لا تجب اعادة تلك الصلاة و لكن يجب تطهيره فعلا؛ و امّا ما افاده بالنسبة الي اعادة تلك الصلاة و لكن يجب تطهيره فعلا؛ و امّا ما افاده بالنسبة الي الذّبح فمقتضي القاعدة الحكم بفساد البيع السابق؛ نعم لم يكن الاكل و لا البيع محرّما تكليفا لأنّه كان معذورا و مضافا الي ما قلنا يرد عليه ما الوجه في التفرقة بين الموارد فانّه لو كان العمل بفتوي المجتهد الأوّل صحيحا و لا يبطل فما وجه حرمة الأكل بقاء و فساد بيع اللّحم كذلك و إن كان الميزان قول المعدول اليه فيلزم الحكم بفساد ما وقع علي خلاف رأيه و إن كان الميزان بالابتلاء و عدم الابتلاء فيلزم الحكم بالفساد في نكاح المرأة التي نكحت بالعقد الفارسي الّذي يكون باطلا بنظر المعدول اليه.

و صفوة القول: انّ مقتضي الاجتهاد

الثاني فساد الرأي الأوّل؛ فكلّ عمل وقع علي طبق الرأي السابق يحكم بالفساد و يكون الأجزاء علي خلاف القاعدة الّا

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 145

[الوكيل في عمل عن الغير يجب أن يعمل بمقتضي تقليد الموكّل]

(مسألة 54): الوكيل في عمل عن الغير كإجراء عقد أو ايقاع أو اعطاء خمس أو زكاة أو كفّارة أو نحو ذلك يجب أن يعمل بمقتضي تقليد الموكّل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين و كذا الوصيّ في مثل ما لو كان وصيّا في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون علي وفق فتوي مجتهد الميّت (1).

______________________________

فيما يقوم عليه دليل كحديث لا تعاد بالنسبة الي الأجزاء في جملة من الموارد؛ فلاحظ.

(1) لا يبعد أن يكون مقتضي القاعدة أن يفصل في المقام بأن يقال المتصدّي لأمر عن الغير امّا يكون متبرّعا و امّا يكون وليّا و امّا يكون وكيلا و أما يكون وصيّا و امّا يكون اجيرا؛ امّا الولي و المتبرّع فيعملان علي طبق وظيفتهما و لا أثر لرأي المولي عليه و المتبرّع عنه كما هو ظاهر؛ و امّا الوكيل و الوصي فالظاهر انّه يلزم مراعاتهما نظر الموكّل و الموصي إذ هما بصدد افراغ ذمّتهما و هذه قرينة علي وقوع الوكالة و الوصاية علي حسب نظرهما فلا مجال للأخذ بمقدّمات الحكمة و اثبات جواز العمل علي طبق ما يراه الوكيل أو الوصيّ صحيحا؛ و ممّا ذكر ظهر الامر بالنسبة الي الأجير فانّ الأجير يستأجر علي الاتيان بما هو يراه من يقع له الأمر؛ نعم لو كان ما يراه المستأجر صحيحا لو كان باطلا في نظر الأجير واقعا و كان أمرا عباديّا يشكل صحّة الاجارة إذ يعتبر في الاجارة القدرة علي التسليم و المفروض انّ الأجير لا يقدر

عليه فكيف تصحّ الاجارة؟

و ملخّص الكلام: انّ الميزان بنظر الموكّل و الموصي من رعاية نظر هما نعم لو كان الموكّل أو الموصي ممّن يري الحجّة الجامع بين الأقوال غاية الأمر اختار أحدهما فردا منها و الآخر فردا آخر منها فالظاهر جواز العمل بكلّ من النّحوين

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 146

______________________________

لأنّ المفروض تماميّة الأمر بالنسبة الي كليهما؛ اللهمّ الّا أن يقال انّ المفروض وقوع الاجارة أو الوصيّة علي حصّة خاصّة نعم إذا وقع العقد أو الايقاع علي الجامع يتمّ الأمر.

ثمّ انّه يشكل الأمر في فرعين يتصوران في المقام:

الأوّل: انّ الميّت لو أوصي بعمل كالحجّ مثلا ممّا يخرج عن الأصل فتارة يكون نظر الموصي اضيق دائرة من نظر الوصي لكن يكون مورد نظره صحيحا في نظر الوصي فلا اشكال في نفوذ الوصيّة إذا لم يكن زائدا علي الثلث و امّا إن كان زائدا يشكل النفوذ و لو دار الأمر بين المتباينين فالظاهر لزوم الاتيان بكلا الفردين امّا ما كان صحيحا بنظر الوصي فلأنّ الواجب اخراج الواجب المالي عن الأصل التركة لكن باذن الحاكم الشرعي و امّا ما كان صحيحا في نظر الميّت فلنفوذ الوصيّة في الثلث.

الثاني: انّه لو شك فيما يراه الميّت صحيحا فإن كان دائرا بين المتباينين بانّ ما يراه الوصيّ صحيحا يباين الفرد الآخر الذي يحتمل أن يكون مورد نظر الموصي فاللّازم أن يعمل علي طبق نظره باذن الحاكم لأنّ المفروض اخراج الحجّ عن أصل التركة و في نظر الوصيّ الصحيح هذا الفرد و يعمل علي طبق نظر الميّت احتمالا إن كان الثلث وافيا به؛ الّا أن يقال انّه مع الشك يرجع الي البراءة حيث انّ الأمر يدور بين

الأقلّ و الأكثر فانّ الاحجاج بطريق يراه الوصيّ قطعيّ و غيره مشكوك و الأصل عدمه؛ نعم لو احرز انّه يري الصحيح غير ما يراه الوصيّ لا مجال لجريان الأصل المذكور.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 147

[إذا كان البائع مقلّدا لمن يقول بصحّة المعاطات مثلا و المشتري مقلّدا لمن يقول بالبطلان لا يصحّ البيع بالنسبة الي البائع أيضا]

(مسألة 55): إذا كان البائع مقلّدا لمن يقول بصحّة المعاطات مثلا أو العقد بالفارسي و المشتري مقلّدا لمن يقول بالبطلان لا يصحّ البيع بالنسبة الي البائع أيضا لأنّه متقوّم بطرفين فاللّازم أن يكون صحيحا من الطرفين و كذا في كلّ عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه و مذهب الآخر صحّته (1).

[في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدّعي]

(مسألة 56): في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدّعي (2).

______________________________

(1) ما أفاده غير تامّ فان التلازم انّما يكون في الحكم الواقعي لا في الحكم الظاهري فالحقّ جواز التفكيك بين الموجب و القابل في الصحّة و البطلان و كلّ منهما يعمل علي طبق عقيدته و مسلكه.

(2) لو فرض التساوي بين الحكّام في الفضيلة و فرض أحد المتداعيين مدعيا و الآخر منكرا فعن المستند دعوي الاجماع علي كون اختيار الحاكم بيد المدّعي و هذا هو العمدة في الدليل و يؤيّده انّه لو رفع أحد الخصمين أمره الي الحاكم فطلب الحاكم الخصم يجب عليه الاجابة و ليس الأمر كذلك في طرف المنكر فانّه لو رفع أمره الي الحاكم لا يجب علي الحاكم اجابته؛ و ربما يقال بانّ المدعي له الحقّ فإن كان المراد انّ الحقّ للمدّعي فهو أوّل الكلام و انّه ليس دليل علي هذه الدّعوي و إن كان المراد انّ له حقّ الدعوي فهو متين لكن ليس دليلا علي المطلوب.

و أفاد سيّدنا الاستاد في المقام وجها: و هو انّ أمر الاستدلال بيد المدّعي كما انّ الأمر كذلك في الاستدلالات العلمية الي آخر كلامه؛ و هذا وجه ذوقي يناسب مجلس الخطابة و ليس برهانا فان تمّ الاجماع فهو و الّا يشكل الامر و تماميّة الاجماع في غاية الاشكال؛ فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و

التقليد، ص: 148

الّا إذا كان مختار المدّعي عليه أعلم (1) بل مع وجود الاعلم و إمكان الترافع اليه الأحوط الرّجوع اليه مطلقا (2).

[حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر]

(مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه و لو لمجتهد آخر (3) الّا إذا تبيّن خطائه (4).

______________________________

(1) و استدلّ عليه بمقبولة عمر بن حنظلة «1» و يرد علي الاستدلال أوّلا: انّها ضعيفة سندا و ثانيا: انّه فرض في الرواية اختلاف الحكمين و اختار كلاهما الحكمين و المفروض في المقام انّ كلا منهما اختار حكما غير مختار الآخر فالحديث لا يرتبط بالمقام و ثالثا: انّه يلزم الالتزام بجميع ما ذكر في الحديث من الاعدليّة و غيرهما.

(2) قد تعرّض قدّس سرّه لاشتراط الاعلميّة في القاضي «في مسألة 68» فانتظر لكنّ الأحوط ما أفاد في المقام فانّه لو لم يكن دليل علي عدم الاشتراط فالقدر المتيقّن نفوذ حكم الأعلم و مقتضي الاستصحاب عدم نفوذ حكم غير الأعلم.

(3) تارة يستدلّ بالإجماع و اخري بالمقبولة و في كليهما ما لا يخفي؛ فانّ الاجماع علي فرض تحصيله مدركي و لو احتمالا و المقبولة ضعيفة سندا و لكن يمكن اثبات الدّعوي بانّه لا شبهة في مشروعيّة القضاء و لولاها يلزم الهرج و المرج و من الظاهر انّه لو لا نفوذه لا يترتب عليه الأثر؛ نعم هذا فيما يكون الحكم علي طبق الموازين و امّا لو لم يكن علي طبق الميزان المقرّرة فوجوده كعدمه و لا يترتب عليه الأثر؛ و ملخّص الكلام انّ حكم الحاكم لو كان قابلا للنقض لا أثر للحكم و لا يرتفع النزاع و هذا أمر ظاهر.

(4) توضيح الحال انّ لحكم الحاكم جهتين:

______________________________

(1) لاحظ ص 59.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد،

ص: 149

______________________________

الأولي: رفع الخصومة و فصل الدعوي.

الثانية: ترتيب آثار الواقع عليه.

امّا الجهة الأولي: فان اشكال في انّ الحكومة إذا كانت علي الموازين يتمّ الامر و ترتفع مادّة النزاع و لو مع العلم بخطاء الحاكم و يشهد له انّ الغالب انّ المتخاصمين يدّعي كلّ منهما كذب الاخر فلو كان العلم بالخطاء مجوّزا لعدم ترتيب الأثر علي الحكم لم يكن الحكم مؤثرا في أكثر الموارد و هو كما تري؛ نعم لا بدّ أن يكون الحكم علي طبق الموازين الشرعية فلو لم يكن علي طبقها امّا قصورا أو تقصيرا لا يترتّب عليه الأثر لأنّه يترتب علي الحكم الشرعي كما قال عليه السلام في ذلك الخبر «احكم بحكمنا»؛ مضافا الي انّه مع التقصير يخرج القاضي عن العدالة و ليس قابلا للقضاوة و الحكومة.

و اما الجهة الثانية: فالحقّ انّ الواقع لا ينقلب عمّا هو عليه امّا أوّلا: فلعدم الدليل و مع عدم الدليل، المتّبع الموازين الاوّليّة و امّا ثانيا: فالدليل يدلّ علي انّ الواقع علي ما هو عليه، لاحظ ما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم: انّما اقضي بينكم بالبيّنات و الايمان؛ و بعضكم الحن بحجّته من بعض؛ فايّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فانّما قطعت له به قطعة من النار «1».

فانّ هذه الرواية تدلّ علي انّ الحكم لا موضوعيّة له بل الواقع علي ما هو عليه فلو حكم لأحد لا يجوز له أن يتصرّف في مال الغير بلحاظ الحكم فنقول امّا يعلم بالمطابقة و امّا يشك و امّا يعلم بالخلاف امّا بالوجدان أو بالأصل امّا مع العلم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2 من أبواب كيفيّة

الحكم و أحكام الدّعوي، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 150

______________________________

بالمطابقة فلا اشكال في الجواز و امّا مع الشك فكذلك امّا لأصالة الصحّة و امّا للسيرة و امّا للزوم اللّغوية.

و امّا مع العلم بالخلاف فلا دليل علي رفع اليد عن الموازين الاوّلية و لا فرق فيما ذكرنا بين الشبهة الحكميّة و الموضوعيّة فلو ادّعي احد بطلان البيع لنجاسة المبيع حيث يري تماميته اجتهادا أو تقليدا أو ادّعي الآخر عكسه فحكم الحاكم بالصحّة لا يجوز للمحكوم عليه ترتيب أثر الطهارة كما انّه لو حكم الحاكم علي انّ الدّار الفلانية ملك للمدّعي و المنكر يعلم خلافه يجوز له أن يسرقه أو يقتص اذا قلنا بجوازه مع كون الطرف معذورا أو في مورد يعلم انّه ظالم، و بعبارة اخري تارة نقول بجواز التقاص علي الاطلاق و اخري نقول باختصاصه بمورد يكون المقتص منه ظالما فعلي الاول يجوز بلا فرق و علي الثاني يختص بمورد كونه ظالما، و قد يقال بالفرق: بين أن يكون منشأ الحكم البيّنة و بين ما يكون المنشأ اليمين بأن يقال يجوز التقاص في الأوّل و لا يجوز في الثاني لدلالة الدليل علي ذهاب الحقّ باليمين و التفصيل موكول الي محلّه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 151

[إذا نقل ناقل فتوي المجتهد لغيره ثمّ تبدّل رأي المجتهد في تلك المسألة لا يجب علي النّاقل اعلام من سمع منه الفتوي الاولي]

(مسألة 58): إذا نقل ناقل فتوي المجتهد لغيره ثمّ تبدّل رأي المجتهد في تلك المسألة لا يجب علي النّاقل اعلام من سمع منه الفتوي الاولي و إن كان أحوط (1) بخلاف ما اذا تبيّن له خطائه في النقل فانّه يجب عليه الاعلام (2).

[إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوي تساقطا]

(مسألة 59): إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوي تساقطا و كذا البيّنتان و اذا تعارض النّقل مع السّماع عن المجتهد شفاها قدّم السماع و كذا اذا تعارض ما في الرسالة مع السماع و في تعارض النقل مع ما في الرسالة قدّم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط (3).

______________________________

(1) لو لم يصدق التسبيب علي عدم الاعلام بقاء لا وجه للوجوب و مع صدقه يدخل في المسألة المتقدّمة؛ نعم يجب الاعلام من باب وجوب اعلام الجاهل علي القول بوجوبه و لا فرق فيه من هذه الناحية بين المكلّفين و لا خصوصيّة للناقل.

(2) تكلّمنا في هذا الفرع عند التكلّم في مسألة (48) فراجع.

(3) في كلّ مورد يتحقّق التّعارض يقدم المتأخّر إذا احتمل العدول فلو تعارض السماع مع النقل و كان النقل متأخرا و احتمل العدول يقدم النقل اذ استصحاب بقاء الرّأي لا مجال له مع وجود الامارة علي الخلاف و في بعض الحواشي كتب انّه اذا حصل الوثوق من أحدهما يؤخذ به و لا يخفي انّ الوثوق عبارة عن الاطمينان و هو حجّة عقلائية و لا مجال مع الحجّة أن يعمل علي طبق الامارة و لا يخفي انّه لو استشكل احد في العمل بالخبر الواحد في الموضوعات لكان المناسب أن يمنع عن العمل بنقل الناقل لما في الرسالة و احتمال كونه داخلا في الرواية

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص:

152

______________________________

مدفوع كما مرّ سابقا؛ و ملخّص الكلام انّه مع تأخّر أحد الأمور المذكورة عن الآخر يقدم المتأخّر مع احتمال العدول؛ نعم مع العلم بعدم العدول أو وحدة التاريخ يقع التعارض و في مثله الأمر كما افاده في المتن بالنسبة الي تعارض النقلين و التبيين فانّ مقتضي التعارض التساقط، و بعبارة اخري: التعارض في مثله امّا يكون بين فردين من سنخ واحد و امّا يكون بين سنخين؛ امّا علي الأوّل فمقتضي القاعدة التساقط كما ذكرنا و امّا علي الثاني فكما في المتن له صور:

الاولي: أن يقع التعارض بين النقل و السماع؛ و فيه: يقدّم السماع و الوجه فيه انّ النقل امارة علي السماع فمع التعارض يقدّم السماع لأنّ السماع قطعي فيقطع بانّ الناقل امّا مشتبه و امّا كاذب في نقله؛ و لا يخفي انّ التقريب المذكور يختصّ بصورة القطع بانّ السماع مطابق مع الواقع و لولاه لا وجه لتقديم السماع؛ هذا فيما يكون تاريخ السماع و النقل واحدا و امّا مع الاختلاف و العلم بعدم العدول فيشكل الأمر إذ قول المجتهد حجّة بالنسبة الي رأيه و المفروض انّ قول الناقل أيضا حجّة و نقله طريق الي قوله فالتعارض متحقّق و لا يبعد أن كون مقتضي السيرة العمل بالقول؛ و الانصاف انّ العرف لا يرجّح القول الّا مع العلم بالواقع.

الثانية: أن يقع التعارض بين السماع و ما في الرسالة مع امنها من الغلط و في هذه الصورة تارة يكون الكاتب الرسالة غير المجتهد و اخري يكون نفس المجتهد؛ امّا علي الأوّل فيدخل في تعارض النقل مع السماع و امّا في الثاني فيقع التعارض بين السماع و خط المجتهد و ربما يقال: بانّ ما في الرسالة مقدّم إذ

الكتابة اضبط؛ و الانصاف انّ الجزم به مشكل.

الثالثة: أن يقع التعارض بين الرسالة و النقل و في مثله تارة يكون الكاتب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 153

[إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الاعلم حاضرا فان أمكن تأخير الواقعة الي السؤال يجب ذلك]

(مسألة 60): إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها و لم يكن الاعلم حاضرا فان أمكن تأخير الواقعة الي السؤال يجب ذلك و الّا فان أمكن الاحتياط تعيّن و إن لم يكن يجوز الرجوع الي مجتهد آخر الأعلم فالأعلم و إن لم يكن هناك مجتهد آخر و لا رسالته يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء إذا كان هناك من يقدر علي تعيين قول المشهور و إذا عمل بقول المشهور ثمّ تبيّن له بعد ذلك مخالفته لفتوي مجتهده فعليه الاعادة و القضاء و إن لم يقدر علي تعيين قول المشهور يرجع الي أوثق الأموات و إن لم يمكن ذلك أيضا يعمل بظنّه و إن لم يكن له ظنّ بأحد الطّرفين يبني علي أحدهما و علي التقادير بعد الاطّلاع علي فتوي المجتهد إن كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الاعادة أو القضاء (1).

______________________________

للرسالة نفس المجتهد و اخري يكون غيره، امّا علي الأوّل فلا اشكال في تقدّم ما في الرسالة إذ المفروض انّ الكاتب نفس المجتهد و كتابته كقوله و قد مرّ انّه مقدّم علي النقل بشرط حصول القطع بالواقع و امّا علي الثاني فيدخل في تعارض النّاقلين و القول بانّ ما في الرسالة مقدّم لأضبطيّة الكتابة مشكل.

(1) الّذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال: تارة يفرض العلم بالمخالفة بين الأعلم و غير الأعلم و اخري يفرض عدم العلم بها امّا في الصورة الأولي فلا بدّ من العمل بقول الاعلم مع الامكان و مع عدمه لا بدّ

من الاحتياط و الرجوع الي الأعلم لا فرق فيه بين الرجوع الي الأعلم في الأموات أو في الأحياء إذ نحن لا نفرق بين الحياة و الموت و امّا مع عدم العلم بالخلاف فلا يلزم تقليد الأعلم بل يجوز تقليد من يكون اهلا له بلا فرق بين كونه حيّا أو ميّتا؛ نعم إذا فرض الانسداد و لم نقل

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 154

[اذا قلّد مجتهدا ثمّ مات فقلّد غيره ثمّ مات فقلّد من يقول بوجوب البقاء علي تقليد الميّت أو جوازه فهل يبقي علي تقليد المجتهد الأوّل أو الثاني الاظهر الثاني]

(مسألة 61): اذا قلّد مجتهدا ثمّ مات فقلّد غيره ثمّ مات فقلّد من يقول بوجوب البقاء علي تقليد الميّت أو جوازه فهل يبقي علي تقليد المجتهد الأوّل أو الثاني الاظهر الثاني و الأحوط مراعاة الاحتياط (1).

______________________________

بجواز تقليد الميّت يتوجّه ما أفاده في المتن من التفصيل؛ و الّذي يهون الخطب انّ باب العلمي غير منسدّ؛ فلاحظ.

(1) يمكن أن يكون الوجه في نظره في لزوم البقاء علي تقليد الثاني انه العدول اليه يبطل التقليد الاوّل فالرجوع اليه يكون من التقليد الابتدائي الذي اجمع علي بطلانه و قد عرفت سابقا انّه ليس عنوان التقليد و العدول في الأدلّة؛ لكن رجعنا عن هذه المقالة و بنينا علي اعتبار حديث روي عن مولانا العسكري عليه السلام؛ و كيف كان نقول انّ الأوّل إذا كان أعلم من الثاني يجب أن يبقي علي الأوّل و إن انعكس الفرض يجب البقاء علي الثاني و إن لم يعلم الاختلاف تخيّر بين تقليد ايّهما شاء لكنّ الظاهر انّ المفروض في كلام المصنّف قدّس سرّه صورة العلم بالاختلاف بين الأوّل و الثاني و عليه امّا يكون الأوّل اعلم و امّا يكون الثاني أعلم و امّا يكونان متساويين و امّا لا يعلم الحال امّا علي تقدير كون الأوّل اعلم

يجب البقاء عليه و العدول الي الثاني لم يكن علي طبق القاعدة و كان حدوثه باطلا فكيف ببقائه؛ و امّا علي الثاني فيجب البقاء علي الثاني كما انّه كان العدول اليه واجبا و مع التساوي و عدم العلم بالمخالفة يكون مخيّرا و مع العلم بها لا بدّ من الأخذ بأحوط القولين كما انّ الأمر كذلك في صورة عدم العلم بالحال.

و قد فصّل بعض في المقام بانّ الثالث إن كان قائلا بوجوب البقاء يجب البقاء علي تقليد الأوّل لأنّه يري التقليد عن الثاني كلا تقليد و إن كان قائلا بجواز البقاء و جواز العدول يجب البقاء علي الثاني أو العدول الي الثالث و لا يجوز البقاء علي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 155

[يكفي في تحقّق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها]

(مسألة 62): يكفي في تحقّق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها و إن لم يعلم ما فيها و لم يعمل فلو مات مجتهده يجوز له البقاء (1) و إن كان الأحوط مع عدم العلم بل مع عدم العمل و لو كان بعد العلم عدم البقاء و العدول الي الحيّ (2).

______________________________

تقليد الأوّل لأنّه من التقليد الابتدائي و هو غير جائز و الحقّ ما ذكرنا.

و ملخّص الكلام: انّ الأوّل إن كان أعلم من الثاني و الثالث و علم الاختلاف بين الأعلم و غيره يجب البقاء علي الأوّل كما انّه لو كان هو الثاني يجب البقاء عليه كما انّه لو كان هو الثالث يجب العدول اليه و مع عدم العلم بالخلاف يجوز البقاء علي الأوّل كما يجوز البقاء علي الثاني كما يجوز العدول الي الثالث و إذا كان كلّهم متساوين في الفضيلة أو احتمل الاعلميّة بالنسبة الي كلّ واحد

منهم فامّا يعلم بالمخالفة و امّا لا يعلم بها امّا مع عدم العلم بالخلاف يتخيّر المكلّف في تقليد ايّهم شاء و امّا مع العلم بالخلاف لا بدّ من الاحتياط هذا مقتضي التحقيق.

(1) قد مرّ منّا انّ التقليد عبارة عن العمل مستندا الي قول الغير.

(2) الظاهر انّ الوجه في هذا الاحتياط انّ التقليد لم يتحقّق فالاحتياط يقتضي العدول الي الحيّ و افاد سيّدنا الاستاد في المقام بانّه لو قلنا بجواز البقاء لكان مقتضي الاحتياط ما ذكره و امّا لو قلنا بوجوب البقاء لا يكون الاحتياط موافقا للعدول؛ و الحقّ كما أفاده لكن لو وصلت النوبة الي الشك يمكن احراز عدم تحقّق التقليد باستصحاب عدمه فانّا ذكرنا انّ الاستصحاب يجري في الشبهة المفهوميّة؛ و الحقّ كما ذكرنا سابقا انّ مقتضي الاحتياط عند العلم بالخلاف العمل باحوط القولين و ذكرنا انّه لا دليل علي بطلان تقليد الميّت ابتداء.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 156

بل الأحوط استحبابا علي وجه عدم البقاء مطلقا و لو كان بعد العلم و العمل (1).

[في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوي يتخيّر المقلّد بين العمل بها و بين الرّجوع الي غيره]

(مسألة 63): في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوي يتخيّر المقلّد بين العمل بها و بين الرّجوع الي غيره الأعلم فالأعلم (2).

[الاحتياط المذكور في الرسالة امّا استحبابي و امّا وجوبي]

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1424 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد؛ ص: 156

(مسألة 64): الاحتياط المذكور في الرسالة امّا استحبابي و هو ما اذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوي و امّا وجوبي و هو ما لم يكن معه فتوي و يسمّي بالاحتياط المطلق و فيه يتخيّر المقلّد بين العمل به و الرّجوع الي مجتهد آخر و امّا القسم الأوّل فلا يجب العمل به و لا يجوز الرجوع الي الغير بل يتخيّر بين العمل بمقتضي الفتوي و بين العمل به (3).

______________________________

(1) و الوجه المذكور في كلامه هو عدم جواز البقاء علي الاطلاق لكن لا يتحقّق الاحتياط مع كون البقاء واجبا و لو احتمالا و هو فيما يكون الميّت اعلم فالاحتياط هو الأخذ بالأحوط كما ذكرناه.

(2) امّا جواز العمل بالاحتياط فلا اشكال فيه كما تقدّم و امّا الرجوع الي الأعلم بعده ففيه تفصيل إذ ربما يحتاط من باب الجهل بالحكم و عدم الاجتهاد و فيه لا شبهة في جواز الرّجوع الي الغير لأنّه جاهل و اخري يري انسداد باب العلم و العلمي و يري لزوم الاحتياط فلا يجوز الرّجوع بل يجب الاحتياط و ثالثة يعلم الحكم و لا يظهر و في هذا الفرض مع العلم بالخلاف يجب الأخذ بالأحوط و مع عدم العلم يجوز له الرجوع الي الغير ثمّ علي فرض الرجوع لا يجب الرجوع الي الأعلم بعده بل

يجوز الي كلّ مجتهد الّا مع العلم بالخلاف.

(3) ما أفاده أوّلا: مبنيّ علي جواز الامتثال الإجمالي مع التمكّن من التفصيلي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 157

[في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد ايّهما شاء]

(مسألة 65): في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد ايّهما شاء كما يجوز له التبعيض حتّي في أحكام العمل الواحد حتّي انّه لو كان مثلا فتوي أحدهما وجوب جلسة الاستراحة و استحباب التثليث في التسبيحات الأربع و فتوي الآخر بالعكس يجوز أن يقلّد الأوّل في استحباب التثليث و الثاني في استحباب الجلسة (1).

[لا يخفي انّ تشخيص موارد الاحتياط عسر علي العامي]

(مسألة 66): لا يخفي انّ تشخيص موارد الاحتياط عسر علي العامي إذ لا بدّ فيه من الاطّلاع التامّ و مع ذلك قد يتعارض الاحتياطات فلا بدّ من الترجيح و قد لا يلتفت الي اشكال المسألة حتي يحتاط و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط مثلا الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضّي به بل يجب ذلك بناء علي كون احتياط الترك استحبابيّا و الأحوط الجمع بين التوضّي به و التيمّم و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع.

______________________________

و مع عدم الجواز يشكل اطلاق كلامه؛ و لكن قد مرّ سابقا جوازه فلا اشكال و امّا ما افاده ثانيا فهو من باب انّه لو قلّد غير الأعلم في ذلك الاحتياط و يأتي بالعمل الموافق للاحتياط جزما يكون تشريعا محرّما؛ فلاحظ.

(1) الظاهر انّ ما أفاده غير تام إذ المفروض في كلامه علم المقلّد باختلاف رأي أحدهما مع الآخر و مقتضي القاعدة هو التساقط و النتيجة وجوب الاحتياط بل مقتضي كلام الماتن و هو الجمع بين تقليدهما في عمل واحد القطع بالبطلان بالنسبة الي صلاة واحدة و هي الصلاة التي تكون مجمعا لكليهما للمخالفة معهما؛ فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 158

لكن إذا كان في ضيق الوقت و يلزم من التثليث وقوع

بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترك هذا الاحتياط أو يلزم تركه و كذا التيمّم بالجصّ خلاف الاحتياط لكن إذا لم يكن معه الّا هذا فالأحوط التيمّم به و إن كان عنده الطّين مثلا فالأحوط الجمع و هكذا (1).

______________________________

(1) قد تقدّم الكلام من هذه الجهة في ذيل المسألة الثانية من هذا الشرح فراجع؛ و ما أفاده متين إذ لو لم يكن المكلّف عارفا بطريق الاحتياط اجتهادا أو تقليدا كيف يمكنه الاحتياط التام و الأمر كما أفاده فانّ المكلّف قد لا يشخص طريق الاحتياط مثلا مقتضي الاحتياط الاجتناب عن الماء القليل الملاقي للمتنجّس فلو انحصر الثوب في الملاقي يكون مقتضي الاحتياط الصلاة مع ذلك الثوب مرّة و عاريا اخري أو لو دار الأمر بين الاتيان بالتسبيحة و بين ادراك الوقت يكون مقتضي الاحتياط ادراك الوقت لأنّه اهم حيث انّه ليس داخلا في المستثني منه و هكذا.

اللهمّ الّا ان يقال: انّ الوقت مقوّم للمركب و مع انتفائه لا أمر بالمركّب فالوقت لا يكون طرفا للتزاحم و بعبارة اخري: لا بدّ من التحفّظ علي الوقت و مع الضيق ترفع اليد عن بقية الاجزاء و الشرائط اذ الصلاة لا تسقط بحال.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 159

[محلّ التقليد و مورده هو الأحكام الفرعيّة العمليّة]

(مسألة 67): محلّ التقليد و مورده هو الأحكام الفرعيّة العمليّة فلا يجري في أصول الدّين (1) و في مسائل اصول الفقه و لا في مبادي الاستنباط من النحو و الصّرف و نحوهما و لا في الموضوعات المستنبطة العرفيّة أو اللّغوية و لا في الموضوعات الصّرفة فلو شك المقلّد في مائع انّه خمر أو خلّ مثلا و قال المجتهد انّه خمر لا يجوز له تقليده نعم من حيث انّه

مخبر عادل يقبل قوله كما في أخبار العامي العادل و هكذا و امّا الموضوعات المستنبطة الشرعيّة كالصلاة و الصوم و نحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العمليّة (2).

[لا يعتبر الاعلميّة فيما أمره راجع الي المجتهد الّا في التقليد]

(مسألة 68): لا يعتبر الاعلميّة فيما أمره راجع الي المجتهد الّا في التقليد (3).

______________________________

(1) فانّ المطلوب فيها الاعتقاد و هو لا يحصل بالتقليد كما هو ظاهر نعم لو حصل الاعتقاد من قول الغير يكفي لعدم الدّليل علي لزوم كون الاعتقاد مستندا الي الدليل و البرهان.

(2) لا وجه لهذا المنع بل مقتضي القاعدة و السيرة جواز التقليد في أصول الفقه و في مباديه نعم لا يجوز للغير تقليد من يكون مجتهدا في الفروع و مقلّدا في الأصول لأنّه جاهل و النتيجة تابعة للأخس؛ نعم الأمر كذلك في الموضوعات الخارجيّة و الأمر كما أفاده قدّس سرّه فانّه لا معني للتقليد في الموضوعات الصرفة.

(3) قد مرّ الكلام في اشتراط الأعلميّة في المرجع؛ فلا نعيد.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 160

و امّا الولاية علي الايتام و المجانين و الأوقاف التي لا متولّي لها و الوصايا التي لا وصيّ لها و نحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلميّة (1).

______________________________

(1) الحقّ كما ذكرنا في بحث الولاية انّه لا دليل علي ولاية الفقيه؛ نعم يستفاد من بعض الروايات انّ للفقيه الجامع للشرائط ان يتصرّف في مال اليتيم و هذا المقدار نلتزم به؛ و ملخّص الكلام في المقام انّه لا دليل علي الولاية له لكن حيث انّا نقطع بعدم رضي الشارع باختلال الأمور و لو لا الولاية في الجملة يلزم عدم جواز التصرّف في أموال الايتام و القصّر و الغيّب و امثال هذه الأمور نلتزم من باب الحسبة بجواز التصرّف للفقيه لكن

هذا المقدار لا يثبت الولاية المطلقة للفقيه بل مقتضي الاصل عدم الولاية له فانّه لو حكم بثبوت الهلال يكون مقتضي الأصل عدم الثبوت كما انّه لو زوّج صغيرا أو تصرّف في مال يكون مقتضي الأصل هو الفساد؛ نعم يستفاد من الرواية المشار إليها انّ تصرّف الفقيه في مال اليتيم نافذ حتّي مع وجود الامام عليه السلام لاحظ ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع قال: مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره الي قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد القيّم بماله؛ و كان الرّجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري؛ فباع عبد الحميد المتاع؛ فلمّا اراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ إذ لم يكن الميّت صير اليه وصيّته؛ و كان قيامه فيها بامر القاضي لأنهنّ فروج؛ قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السلام و قلت له: يموت الرّجل من أصحابنا؛ و لا يوصي الي أحد؛ و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهنّ؛ أو قال: يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لأنهنّ فروج؛ فما تري في ذلك؟ قال: فقال: إذا كان القيّم به مثلك؛ «أو؛ يب» و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 161

نعم الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد أو في غيره ممّا لا حرج في الترافع اليه (1).

______________________________

فانّ ظاهر قوله في تلك الرواية إن كان مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس عدم اشتراط الأعلميّة إذ المفروض انّ الامام عليه السلام حاضر و مع ذلك يكون له التصرّف و هذا المقدار ثابت بالرواية و امّا

في بقيّة الموارد فبمقدار الضرورة نلتزم بالجواز و امّا الزائد عليه فلا لكونه مخالفا للقاعدة.

و صفوة القول: انّ الولاية علي الناس و الأموال من الأمور الوضعيّة و مقتضي الأصل عدم الولاية الّا بالمقدار الذي يعلم بتحقّقها.

(1) و امّا شرط الأعلميّة في القاضي فتارة يقع الكلام في الشبهات الموضوعيّة و اخري في الشبهات الحكميّة، أي تارة يكون النزاع في الموضوع الخارجي مع التوافق في الحكم الشرعي و اخري في الحكم الشرعي و الأعلمية علي فرض الاشتراط انما تعتبر بالنسبة الي المقام الثاني، امّا المقام الأوّل: فأفاد الاستاد بانّه لا يعتبر الأعلميّة علي الاطلاق لعدم الامكان و امّا الاضافيّة فايضا لا تعتبر و ذلك لكفاية الاجتهاد بمقتضي حديث أبي خديجة «1».

و يرد عليه انّه مع وجود الحكومة الشرعيّة و جعل زمام الأمور بيد الأعلم علي الاطلاق يمكن أن يكون أمر كل قضاوة بيده و لو بنحو التسبيب و أما حديث أبي خديجة فمخدوش سندا و عليه نقول القدر المتيقّن من نفوذ القضاوة فيما يكون القاضي أعلم و امّا مع التعذر أو التعسّر يكفي الأعلميّة الاضافيّة لعدم قيام دليل علي اعتبار قضاوة كلّ مجتهد و لو لم يكن أعلم و هذا هو العمدة في اعتبار الأعلميّة.

______________________________

(1) لاحظ ص 83.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 162

______________________________

و ربما يستدلّ لهذا المدّعي بعدّة روايات منها: مقبولة عمر بن حنظلة «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا و ثانيا انّها واردة في الشبهة الحكميّة.

و منها: ما رواه موسي بن اكيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن رجل يكون بينه و بين أخ له منازعة في حقّ فيتّفقان علي رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما؛

قال: و كيف يختلفان؟ قال: حكم كلّ واحد منهما للّذي اختاره الخصمان؛ فقال: ينظر الي اعدلهما و افقههما في دين اللّه فيمضي حكمه «2».

و فيه انّها ضعيفة بذبيان بن حكيم.

و منها: ما رواه داود بن الحصين؛ عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجلين اتّفقا علي عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف؛ فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما؛ عن قول ايّهما يمضي الحكم؟ قال: ينظر الي افقههما و اعلمهما باحاديثنا و أورعهما فينفذ حكمه؛ و لا يلتفت الي الآخر «3» و هذه الرواية ضعيفة امّا بطريق الشيخ فبحسن بن موسي الخشّاب و امّا بطريق الصدوق فبحكم بن سكين.

و منها: عهده عليه السلام الي الاشتر فانّه عليه السلام كتب اليه اختر للحكم بين الناس افضل رعيّتك «4»؛ و يرد عليه اولا انّ السند غير تام كما صرح به سيدنا الاستاد في

______________________________

(1) لاحظ ص 59.

(2) الوسائل: الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 45.

(3) نفس المصدر، الحديث 20.

(4) الوسائل: الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 18.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 163

[اذا تبدّل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلّدين أم لا فيه تفصيل]

(مسألة 69): اذا تبدّل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلّدين أم لا فيه تفصيل فإن كانت الفتوي السابقة موافقة للاحتياط فالظاهر عدم الوجوب و إن كانت مخالفة فالأحوط الأعلام بل لا يخلو عن قوّة (1).

[لا يجوز للمقلّد اجراء اصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصح اب في الشبهات الحكميّة]

(مسألة 70): لا يجوز للمقلّد اجراء اصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكميّة و امّا في الشبهات الموضوعيّة فيجوز بعد ان قلّد مجتهده في حجيّتها مثلا إذا شكّ في انّ عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ليس له اجراء أصل الطهارة لكن في انّ هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا يجوز له اجرائها بعد أن قلّد المجتهد في جواز الاجراء (2).

______________________________

هذا المقام أنه علي ما في تقريره الشريف و ثانيا و أورد في مورد خاصّ و لا يكون دليلا للعموم الّذي هو محلّ الكلام.

و امّا المقام الثاني: في الشبهة الحكميّة يلزم أن يرجع كلّ من الطرفين الي مرجعه فلو لم يتمّ النزاع بان كان كلّ منهما مقلّدا لشخص أو كان أحدهما مجتهدا و الآخر مقلّدا لمجتهد آخر أو كانا مجتهدين فيلزم أن يرفع النزاع الي حاكم آخر و نلتزم بلزوم كونه أعلم؛ نعم إن كان احد طرفي النزاع أعلم فلا ينحلّ النزاع الّا بالترافع الي غير الأعلم.

(1) قد مرّ الكلام في هذه المسألة؛ فلا نعيد.

(2) و الوجه فيه انّ الفحص لا يلزم في الشبهة الموضوعيّة فاذا قلّد المجتهد في جواز اجراء الأصل يجوز له الاجراء فيها كيفيّة موارد تقليده و أمّا في الشبهة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة - الاجتهاد و التقليد، ص: 164

[المجتهد الغير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده]

(مسألة 71): المجتهد الغير العادل أو مجهول الحال لا يجوز تقليده و إن كان موثوقا به في فتواه و لكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه و كذا لا ينفذ حكمه و لا تصرّفاته في الأمور العامّة و لا ولاية له في الأوقاف و الوصايا و أموال القصّر و الغيّب (1).

[الظنّ بكون فتوي المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل]

(مسألة 72): الظنّ بكون فتوي المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل الّا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها أو لفظ النّاقل أو من ألفاظه في رسالته و الحاصل انّ الظنّ ليس حجّة الّا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل (2).

______________________________

الحكميّة فلا مجال للتقليد لأنّ العامي لا يمكنه الفحص و مع عدمه لا يجري الأصل؛ فلاحظ.

(1) قد مرّ الكلام حول اشتراط العدالة و علي فرض القول بالاشتراط لا يجوز تقليد مشتبه الحال لعدم جواز الأخذ بالدّليل في الشبهة المصداقيّة نعم لو كان عادلا ثمّ شكّ في عدالته بقاء يحكم ببقائها ببركة الاستصحاب و امّا تصرّفه في الأمور فلا بدّ من الاقتصار علي القدر المتيقّن و مرّ الكلام حوله.

(2) اذ الظنّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ* و امّا الظهور فهو حجّة و لا تحتاج حجيّته علي حصول الظنّ الشخصي.

هذا تمام الكلام في الاجتهاد و التقليد؛ و قد فرغنا عنه في اليوم السادس عشر من شهر جمادي الثاني من السنة ألف و ثلاثمائة و ثمانية و تسعين؛ (1398) علي مهاجرها و آله آلاف التحيّة و السلام.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.